الرجال، فإن قوله: "إنكم تُحشرون" خطاب للذكور، ولكنه شامل للنساء أيضًا،

فإن عائشة -رضي الله عنها- من أهل اللغة، فهمت من هذا الخطاب دخول النساء، فقالت:

"الرجال، والنساء، ينظر بعضهم إلى بعض"، وأقرّها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على فهمها

ذلك، ولكن بيّن لها أن هناك مانعًا من هذا النظر، وهو اشتغال كل أحد

بنفسه، وهذا الاستدلال قويّ جدًّا، وتؤيده الآية المذكورة، حيث إنها بلفظ

الذكور، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس: 37]، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): قال شارح "العقيدة الطحاوية" عند قول

الطحاوي -رحمه الله-: "ونؤمن بالبعث" ما مختصره: الإيمان بالمعاد مما دلّ عليه

الكتاب والسُّنَّة، والعقل، والفطرة السليمة، فأخبر الله -عز وجل- عنه في كتابه العزيز،

وأقام الدليلَ عليه، وردّ على منكريه في غالب سور القرآن، وذلك أن

الأنبياء -عليه السلام- كلهم متفقون على الإيمان بالله، فإن الإقرار بالربّ عامّ في بني

آدم، وهو فطريّ، كلهم يقرّ بالربّ، إلا من عاند، كفرعون، بخلاف الإيمان

باليوم الآخر، فإن منكريه كثيرون، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- لمّا كان خاتم الأنبياء، وكان قد

بُعث هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر الْمُقَفَّى بَيَّنَ تفصيل الآخرة بيانًا لا

يوجد في شيء من كُتُب الأنبياء -عليه السلام-، ولهذا ظنّ طائفة من المتفلسفة ونحوهم

أنه لم يصح بمعاد الأبدان إلا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجعلوا هذه حجة لهم في أنه من

باب التخييل، والخطاب الجمهوريّ.

والقرآن بيّن معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في

غير موضع، وهؤلاء يُنكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقول من

يقول منهم: إنه لم يُخبر به إلا محمد -صلى الله عليه وسلم- على طريق التخييل، وهذا كذب، فإن

القيامة الكبرى هي معروفة عند الأنبياء، من آدم إلى نوح، إلى إبراهيم،

وموسى، وعيسى، وغيرهم -عليه السلام-.

ثم ذكر الآيات التي أثبتت المعاد، وبيّن وجه إثباتها أتمّ تبيين، إلى أن

قال: والقائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، لهم في المعاد خَبْط،

واضطراب، وهم فيه على قولين: منهم من يقول: تُعدم الجواهر، ثم تعاد،

ومنهم من يقول: تُفرّق الأجزاء، ثم تُجمع، فأُورِد عليهم الإنسان الذي يأكله

حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا، لم تُعَد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015