ثم نقول بعد ثبوت هذين الأثرين عن هذين الصحابيين: لا دلالة فيهما
على فناء النار الذي هو محل النزاع بوجه من الوجوه، فإن قوله: "ليس فيها
أحد" دال على بقائها، فإنك إذا قلت: ليس في الدار أحد، فإنه دال@ على بقاء
الدار، لا على فنائها، ثم عرفت قول البغويّ: إن أهل السُّنَّة حملوه على
خروج الموحدين من النار، وهذا الحمل متعيّن عند ابن تيمية بخصوصه، وعند
جميع من عداه، أما عنده فإنه لا يقول بخووج الكفار من النار، بل يقول: بعد
فنائها وذهابها، لا يُتصور فيها بقاء الكفار، وهذان الأثران حاكمان بخروج من
فيها، وليس إلا عصاة الموحدين، أما عند غيره من أهل السُّنَّة فالأمر واضح
في أن الأثرين ليسا إلا في خروج الموحدين.
ولفظ أثر ابن مسعود وإن كان عامّاً، فإنه نكرة في سياق النفي، إلا أنه
معلوم تخصيصه بالأدلة الدالة على أن الكفار ليسوا منها بمخرجين (?)، عند ابن
تيمية وغيره، كما عرفت.
وبهذا تعرف أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود
وأبي هريرة، كما نُسب هذا القول الذي نُقل عنهما إلى عمر (?)، بل هو
الدليل (?) على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد، فكيف
يقول شيخ الإسلام في صدر المسألة: إن القول بفناء النار نُقل عن ابن مسعود،
وأبي هريرة، وإنما مستنَده في نسبة ذلك إليهما هذان الأثران اللذان هما
بمراحل عن الدلالة على فناء النار، وذهابها بعد صحتهما.
فعرفت بطلان نسبة هذا القول إلى ابن مسعود وأبي هريرة، كما عرفت
بطلان نِسبته إلى عمر.