ثم إن حكمنا بأن الفجار في النار، والأبرار في جنات تجري من تحتها
الأنهار، ليس حكماً منّا، بل الله تعالى هو الذي حَكَم بذلك، وأخبرنا به،
فالعجب كله في الاستدلال على فناء النار بهذا الأثر الذي لا يقول: إنه يدل
على ذلك أحد من النظّار، وظهور عدم دلالته عليه كالشمس في رابعة النهار،
وتبيَّن أن مراده: لا يُحكم على معيَّن أنه من أهل الجنة، ولا أنه من أهل
النار، وكأنه يريد غير من حَكَم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عليه بأحد الدارين؛ كإخباره - صلى الله عليه وسلم -
أن العشرة من الصحابة من أهل الجنة، وكإخبار الله أن أبا لهب {سَيَصْلَى نَارًا
ذَاتَ لَهَبٍ}، ولو فرض دلالته على مدعاه، فإنه معارض لِمَا أخرجه ابن
أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس أنه قال: هاتان من
المخبآت، قول الله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] (?)، وقوله
تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: 109]،
فأما قوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} فهم قوم من أهل الكبائر من أهل القبلة
يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم، ثم يأذن بالشفاعة، فيشفع لهم المؤمنون،
فيُخرجهم من النار، فيُدخلهم الجنة، فسمَّاهم أشقياء حين عذَّبهم بالنار.
انتهى.
فهذه الرواية كما تراها صراحةً وكثرةَ تخريج (?) دالة على أنه كغيره من