فإن قيل: بل هو يدل على فنائها التزاماً؛ لأنه تعالى إنما خلقها ليعذب

بها من عصاه، فبعد خروجهم لم يبق لها حاجة، فالحكمة تقتضي فناءها.

قلت: هذا دور، فإنه لا يثبت أن الحكمة يقتضي فناءها إلا إذا لم يبق

فيها أحد، ولا يخرج أحد من أهلها إلا بعد فنائها، كما تسمع تصريح ابن

تيمية بذلك حيث قال:

(وأما كون الكفار لا يخرجون منها، ولا يخفف عنهم من عذابها، ولا

يقضَى عليهم فيموتوا، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في ثم الخياط، فلم

يختلف في ذلك الصحابة، ولا التابعون، ولا أهل السُّنَّة، وهذه النصوص

وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية، ولا يخرجون منها مع

بقائها البتة)، هذا لفظه.

واذا عرفت مراده عرفت أن أثر عمر لا يدل على مدّعاه بشيء من

الدلالات الثابتة، فإنه قال: (أنهم يخرجون منها) وهذا واضح في الخروج

منها، وهي باقية، فلا بد من حَمْل أثره على معنى صحيح؛ إذ لا يصح حَمْله

على خروج الكفار عند أحد، لا ابن تيمية، كما عرفت ولا غيره، فإنه لا يقول

أحد بخروج الكفار من النار، فإن صح أثر عمر حُمل على أنه أراد خروج

الموحدين الذين استحقوا دخول النار بذنوبهم، كما دلت عليه الأدلة المعروفة

الصحيحة الصريحة التي لا مرية في صحتها.

إلا أن ابن تيمية منع من حمل كلام عمر على ذلك وقال:

(إنما أراد عمر بأهل النار: الذين هم أهلها (وهم الكفار): وأما قوم

أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها ولا يلبثون قدر رمل

عالج ولا قريباً منه).

فأقول: ولا يخفى ضَعف هذا الردّ؛ لأن كونهم قد علموا ذلك لا يمنع

أن يؤدّوه لمن لا يعلمه، ويُخبروا أنه اعتقادهم، وقد عُلم في فن البيان: أن

الإخبار يكون بفائدة الحكم، أو لازمها، فعِلم السامعين بالحكم لا يمنع عن

التكلم به، وإلقائه إليهم، وأما كون عصاة الموحدين لا يلبثون قدر رمل عالج،

ولا قريباً منه فمسلَّم، ولم يقل عمر: إنهم يلبثون قدر رمل عالج، بل أتى

بقضية شرطية، فقال: (لو لبث)؛ أي: أنه لو طال لُبثهم ذلك القدر لخرجوا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015