وبعد: فإن السائل - أدام الله له التوفيق، وسلك لنا وبه مناهج ذوي
التحقيق - طلب كشف الأستار، عن وجه مسألة فناء النار، ودخول المشركين
من أهلها مداخل الأبرار، وهذه المسألة من غرائب المسائل، ومما خلت عنها
أسفار المقالات الحوافل، وأشار إليها السيد الإمام محمد بن إبراهيم - رَحِمَهُ اللهُ - في
"الإيثار" (?) وقال:
(وقد أُفردت في هذه المسألة مصنفات حافلة منها لابن تيمية، ومنها
لتلميذه شمس الدين، ومنها للذهبي، ومنها لي) هذا لفظه.
ولم أقف على غير ما في "حادي الأرواح" ولعل الله سبحانه يعين
بالوقوف على مؤلف الذهبي والسيد محمد بمنّه وفضله.
وحيث استكشف السائل عن حقيقتها، وما عليها من الدلائل تعيَّن علينا
أن نكشف عن وجوه أدلتها النقاب، ونُبرز المطوي تحت لثامها بعيون أذهان
أولي الألباب، ونستوفي فيها المقال، وإن خرجنا عن الإيجاز إلى الإطناب
والإسهاب؛ لأنه عَزّ وجود ما أُلّف فيها فيحال عليه، ولا أعرف فيها منازعاً
لمدّعيها، فأُرشد إليه.
وليعتذر (?) السائل عن تأخر الجواب، فإنه لم يكن استخفافاً بالسائل،
ولا تحقيراً للمسائل، بل لِمَا يتواثب على القلوب من الاشتغال، ولم يزل
التسويف حتى تقضّت أيام وليال، فنقول:
(اعلم): أن هذه المسألة أشار إليها الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب"،
ولم يتكلم عليها بدليل نفي ولا إثبات، ولا نَسَبها إلى قائل معيَّن، ولكنه
استوفى المقال فيها العلامة ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح إلى ديار (?)
الأفراح"، نقلاً عن شيخه العلامة شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية، فإنه