أجاب سبحانه عليهم بقوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا}؛ أي: إنا نكشفه عنهم

كشفاً قليلاً، أو زماناً قليلاً، ثم أخبر الله سبحانه عنهم أنهم لا ينزجرون عما

كانوا عليه من الشرك، ولا يفون بما وعدوا به من الإيمان، فقال: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}؛ أي: إلى ما كنتم عليه من الشرك، وقد كان الأمر هكذا، فإن الله

سبحانه لمّا كشف عنهم ذلك العذاب رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر،

والعناد، وقيل؛ المعنى: إنكم عائدون إلينا بالبعث، والنشور، والأوّل أَولى (?).

(قَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه -: (أفَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ ) المعنى: أن الذي

يُكشف إنما هو عذاب الدنيا، وأما عذاب الآخرة إذا حلّ فلا يُكشف؛ يعني:

أن ما قاله القاصّ من معنى الدخان غير صحيح، لأنه يدّعي أنه في الآخرة،

وما يكون فيها لا يُكشف.

ثم بيّن - رضي الله عنه - المعنى المراد هنا {) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}؛ أي:

الأخذة العظمى، {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} منهم. قال ابن مسعود: (فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ)

بالقتل والأسر، (وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ)؛ أي: بما كانوا يرونه في السماء حال

الجوع، قال: (وَ) مضت (الْبَطْشَةُ، وَ) مضى أيضاً (اللِّزَامُ) الذي ذكره الله -عَزَّ وَجَلَّ-

في قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]؛ أي: يكون عذابهم لازماً لهم،

قالوا: وهو ما جركا عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى.

(وَآيَةُ الرُّوم)؛ أي: ومضى أيضاً ما دلّت عليه آية الروم، وهي قوله تعالى:

{غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)}.

وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} الظرف منصوب

بإضمار اذكر، وقيل: هو بدل من يوم تأتي السماء، وقيل: هو متعلق بـ

{مُنْتَقِمُونَ}، وقيل: بما دلّ عليه منتقمون، وهو ننتقم.

والبطشة الكبرى: هي: يوم بدر، قاله الأكثر. والمعنى: أنهم لما عادوا

إلى التكذيب، والكفر بعد رفع العذاب عنهم انتقم الله منهم بوقعة بدر. وقال

الحسن، وعكرمة: المراد بها: عذاب النار، واختار هذا الزجاج، والأوّل

أَولى. قرأ الجمهور: {نَبْطِشُ} بفتح النون، وكسر الطاء؛ أي: نبطش بهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015