وإعراضاً عن قبول الإسلام، وفي الرواية الآتية: "إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَنَّ قُرَيْشاً لَمَّا
اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف". (فَقَالَ: "اللَّهُمَّ سَبْعٌ
كسَبْعِ يُوسُفَ") برفع "سبعٌ"، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: البلاء
المطلوب عليهم سبعُ سنين؛ كالسنين السبع التي كانت في زمن يوسف -عَلَيْهِ السَّلامُ-،
وهي السبع الشّداد التي أصابهم فيها القحط، وهو ما بيّنه الله -عَزَّ وَجَلَّ- قوله:
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف: 48]، أو يكون
المعنى: المدعوّ عليهم قحط كقحط يوسف -عَلَيْهِ السَّلامُ-، ويجوز أن يكون ارتفاعه على
أنه اسم كان التامة، تقديره: ليكن سبغ، وفي رواية: "سبعاً" بالنصب خبراً
لـ "كان" الناقصة؛ أي: ليكن سبعاً، وجاء في رواية: "لمّا دعا قريشاً كذّبوه،
واستعصوا عليه، فقال: اللَّهُمَّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف".
(قَالَ) ابن مسعود: (فَأَخَذَتْهُمْ سَنَة) بالفتح؛ أي: قحط وجدث، ومنه قوله
تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: 130]، (حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ)
بحاء، وصاد مهملتين، مشددة الصاد، أي: استأصلت، وأذهبت النبات،
فانكشفت الأرض، وفي "المحكم"؛ سنة حَصّاء: جدبة، قليلة النبات، وقيل:
هي التي لا نبات فيها. انتهى (?).
(حَتى أَكَلُوا الْجُلُودَ، وَالْمَيْتَةَ) زاد في رواية البخاريّ: "والْجِيَف" بكسر
الجيم، ودتح الياء: جمع الجيفة، وهي جُثّة الميت، وقد أراح، فهي أخصّ من
الميتة، لأنها ما لم تلحقه ذكاة (?). (مِنَ الْجُوعِ)؛ أي: من الجوع الذي حصل
لهم من القحط، (وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ، فيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ)؛ أي: مثل
صفة الدخان، وذلك لضَعْف بصره بسبب الجوع، فيُخيّل إليه أنه رأى دخاناً،
وليس بدخان، وإنما هو خيال فقط، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: فهذا هو معنى
الدخان الذي ذكره الله تعالى في كتابه، لا ما يزعمه القاصّ. (فَأَتَاهُ)؛ أي: أتى
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (أَبُو سُفْيَانَ) صخر بن حرب والد معاوية - رضي الله عنهما -.
وقال في "الفتح": قوله: "فجاءه أبو سفيان"؛ يعني: الأمويّ والد
معاوية، والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة؛ لقول ابن مسعود: "ثم عادوا،