يحفظونه، ويؤيده ما ذكره الرا وي بقوله: (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ دَنَما مِنِّي)؛ أي:
قرب عندي، (لَاخْتَطَفَتْهُ)؛ أي: لاستلبته، والخطف: استلاب الشيء، وأخْذه
بسرعة (?). (الْمَلَائِكَة عُضْواً عُضْواً") المعنى: لأخذ كل ملك عضواً من أعضائه.
(قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه - آخذاً من غيره، كما أسلفته قريباً (فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-)
الآية الآتية، قال الراوي، والظاهر أنه أبو حازم، (لَا نَدْرِي)؛ أي: لا نعلم، هل
قوله: "فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- ... إلخ"، (فِي) جملة (حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه -؛ أي: فيما
نقله عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، (أَوْ شَيءٌ بَلَغَهُ) عن أحد من الصحابة الذين حضروا الواقعة.
{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)} [العلق: 6] رَدْعٌ، وزَجْرٌ لمن كفر نِعَم الله عليه بسبب طغيانه،
وإن لم يتقدم له ذِكر. {إِنَّ الْإِنْسَانَ} المراد به: أبو الجهل، كما هو سبب
نزول الآيات من هذه، فما بعدها إلى آخر السورة، وأنه تأخر نزول هذا وما
بعده عن الخمس الآيات المذكورة في أوّل هذه السورة. {لَيَطْغَى} أنه ليجاوز
الحدّ، ويستكبر على ربه. وقيل: {كَلَّا} هنا بمعنى: حقاً، قاله الجرجانيّ،
وعلّل ذلك بأنه ليس قبله، ولا بعده شيء يكون "كلا" ردّاً له.
وقوله تعالى: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} علة ليطغى؛ أي: لَيطغى أن رأى
نفسه مستغنياً، والرؤية هنا بمعنى العلم، ولو كانت بصرية لامتنع الجمع بين
الضميرين في فعلها لشيء واحد؛ لأن ذلك من خواص أفعال القلوب، وما
أُلحق بها، كما هو معروف في محلّه من كتب النحو، قال الفرّاء: لم يقل:
رأى نفسه كما قيل: قتل نفسه؛ لأن "رأى" من الأفعال التي تطلب اسماً
وخبواً، نحو الظنّ، والحسبان، فلا يُقتصر فيه على مفعول واحد، والعرب
تطرح النفس من هذا الجنس، تقول: رأيتني، وحسبتني، ومتى تراك خارجاً،
ومتى تظنك خارجاً، قيل: المراد هنا أنه استغنى بالعشيرة، والأنصار،
والأموال، قرأ الجمهور: {أَنْ رَآهُ} بمد الهمزة، وقرأ قنبل عن ابن كثير
بقَصرها، قال مقاتل: كان أبو جهل إذا أصاب مالاً زاد في ثيابه، ومركبه،
وطعامه، وشرابه، فذلك طغيانه، وكذا قال الكلبيّ (?).