وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] فإنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، ولولا
التغاير لساغ ذلك. انتهى (?).
(قَالَ: فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: سكت، وقيل: أطرق، وقيل: أعرض
عنه، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (?).
وقالى الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: سَكَتَ سَكْتاً، وسُكُوتاً: صَمَتَ، ويتعدى بالألف،
والتضعيف، فيقال: أَسْكَتهُ، وسَكَّنتُهُ، واستعمالُ المهموز لازماً لغة، وبعضهم
يجعله بمعنى أطرق، وانقطع. انتهى (?).
وفي رواية للبخاريّ: "فأمسك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -" (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئاً) وفي لفظ
للبخاريّ: "فلم يرد عليهم"، (فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ) وفي رواية للبخاريّ في
"التوحيد": "فظننت أنه يوحى إليه"، وفي "الاعتصام": "فقلت: إنه يوحى
إليه"، وهي متقاربة، وإطلاق العلم على الظنّ مشهور، وكذا إطلاق القول على
ما يقع في النفس، ووقع عند ابن مردويه، من طريق ابن إدريس، عن
الأعمش: "فقام، وحَنَى من رأسه، فظننت أنه يوحى إليه".
(قَالَ) ابن مسعود - رضي الله عنه -: (فَقُمْت مَكَاني) وفي لفظ للبخاريّ: "فقمت
مقامي"، وفي لفظ: "فتأخّرت عنه"؛ أي: أدباً معه - صلى الله عليه وسلم -؛ لئلا يتشوش بقربي منه،
(فَلَمَّا تزَلَ الْوَحْيُ) وفي رواية للبخاريّ: "حتى صعد الوحي، فقال"، وفي رواية
له: "فقمت، فلما انجلى". (قَالَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء: 85]. قال ابن جرير
الطبريّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ويسألك الكفار بالله من أهل
الكتاب عن الروح، ما هي؛ قل لهم: الروح من أمر ربىِ، وما أوتيتم أنتم،
وجميع الناس من العلم إلا قليلاً، وذُكِر أن الذين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
الروح، فنزلت هذه الآية بمسألتهم إياه عنها، كانوا قوماً من اليهود. انتهى (?).
وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قد اختَلف الناس في الروح