وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن هذه

الآية: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} أين يكون الناس حينئذ؟ قال: "على

الصراط"، وفي رواية الترمذيّ: "على جسر جهنم"، ولأحمد من طريق ابن

عباس، عن عائشة: "على متن جهنم".

وأخنرج مسلم أيضاً من حديث ثوبان - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يكونون في الظلمة

دون الجسر"، فقد جمع بينها البيهقيّ بأن المراد بالجسر: الصراط، وأن في

قوله: "على الصراط" مجاز لكونهم يجاوزونه؛ لأن في حديث ثوبان زيادة

يتعيّن المصير إليها لثبوتها، وكان ذلك عند الزجرة التي تقع عند نَقْلهم من

أرض الدأجا إلى أرض الموقف، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 21 - 22].

واختُلف في السماوات أيضاً فتقدم قول من قال: إنها تصير جِفاناً،

وقيل: إنها إذا طويت تكوّر شمسها، وقمرها، وسائر نجومها، وتصير تارة

كالمهل، وتارة كالدهان.

وأخرج البيهقيّ في "البعث" من طريق السدّيّ، عن مُرّة، عن ابن مسعود

قال: السماء تكون ألواناً؛ كالمهل، وكالدهان، وواهيةً، وتشقّق، فتكون حالاً

بعدحال.

وجَمَع بعضهم بأنها تنشق أوّلاً، فتصير كالوردة، وكالدهان، وواهيةً،

وكالمهل، وتكوّر الشمس والقمر وسائر النجوم، ثم تطوى السماوات، وتضاف

إلى الجنان.

ونقل القرطبيّ في "التذكرة" عن أبي الحسن بن حيدرة صاحب

"الإفصاح" أنه جمع بين هذه الأخبار بأن تبديل السماوات والأرض يقع

مرتين: إحداهما تبدل صفاتهما فقط، وذلك عند النفخة الأُولى، فتنثر

الكواكب، وتخسف الشمس والقمر، وتصير السماء كالمهل، وتُكشط عن

الرؤوس، وتسير الجبال، وتموج الأرض، وتنشق إلى أن تصير الهيئة غير

الهيئة، ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض، وتبدل السماء والأرض إلى

آخر كلامه في ذلك، والعلم عند الله تعالى، ذكر هذا في "الفتح"، وهو بحث

مفيد، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015