وقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال المبرد؛ أي: ما عظّموه حقّ

عظمته، من قولك: فلان عظيم القدر، وإنما وصفهم بهذا؛ لأنهم عبدوا

غير الله، وأمروا رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يكون مثلهم في الشرك. وقرأ الحسن، وأبو

حيوة، وعيسى بن عمر: "قدّروا" بالتشديد. ({وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ})

القبضة في اللغة: ما قبضت عليه بجميع كفّك، فأخبر سبحانه وتعالى عن عظيم قدرته:

بأن الأرض كلها مع عِظَمها، وكثافتها في مقدوره؛ كالشيء الذي يَقبض عليه

القابض بكفه كما يقولون: هو في يد فلان، وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه

التصرّف فيه، وإن لم يقبض عليه، قاله الشوكانيّ رحمه الله (?).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وإن لم يقبض عليه"، هذا من الشوكاني

نَقْل لمذهب المؤوّلين، ولعله نقله غفلة، وإلا فالنص صريح في ثبوت القبض على

حقيقته، وأنه سبحانه وتعالى يقبض قبضًا لا كقبض المخلوقين، بل على ما يليق بجلاله،

فتنبَّه، فإن هذا من مزالّ الأقدام، كما سننبّه عليه قريبًا -إن شاء الله تعالى-.

وقوله: ({يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) إنما خَصّ يوم القيامة بالذكر، وإن كانت قدرته

شاملة؛ لأن الدعاوي تنقطع فيه، كما قال: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الحج: 56]،

وقال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4] , والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: جملة: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} في محل نصب على الحال؛

أي: ما عظّموه حقّ تعظيمه، والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال

القدرة. قرأ الجمهور برفع: {قَبْضَتُهُ} على أنها خبر المبتدأ، وقرأ الحسن

بنصبها، ووَجَّهَه ابن خالويه بأنه على الظرفية؛ أي: في قبضته. وقرأ الجمهور:

{مَطْوِيَّاتٌ} بالرفع على أنها خبر المبتدأ، والجملة في محل نَصْب على الحال؛

كالتي قبلها، و {بِيَمِينِهِ} متعلق بـ {مَطْوِيَّاتٌ}، أو حال من الضمير في

{مَطْوِيَّاتٌ}، أو خبر ثانٍ، وقرأ عيسى، والجحدري بنصب: {مَطْوِيَّاتٌ}،

ووجه ذلك: أن {وَالسَّمَاوَاتُ} معطوفة على {الْأَرْضُ}، وتكون {قَبْضَتُهُ} خبرًا

عن الأرض، والسموات، وتكون {مَطْوِيَّاتٌ} حالًا، أو تكون {مَطْوِيَّاتٌ}

منصوبة بفعل مقدّر، و {بِيَمِينِهِ} الخبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015