قال الجامع عفا الله عنه: وما هنا من المعنى الأول، ومعناه: أن هؤلاء
الكتابيين استحسنوا فعل هذا الرجل، وأحبّوه بسبب ارتداده عن الاسلام،
ودخوله في دينهم، إلا أن الله عز وجل عاجله بالعقوبة، كما بيّنه بقوله: (فَمَا لَبِثَ)
بكسر الموحّدة؛ أي: لم يتأخر مكثه عندهم، (أَنْ قَصَمٍ اللهُ عُنُقَهُ) من باب
ضرب؛ أي: كسر الله تعالى، يقال: قَصَمت العود قَصْمًا، من باب ضرب:
كسرته، فأبَنْته، فانقصم، وتقصّم، وقولهم في الدعاء: قصمه الله، قيل: معناه:
أهانه، وأذلّه، وقيل: قرّب موته (?)، ومنه قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}
[الأنبياء: 11]؛ أي: أهلكناها.
و"أن" مصدريّة، و"قصم الله عنقه" صلتها، وهي في تأويل المصدر فاعل
"لَبِتَ"؛ أي: فما تأخّر قَصْم الله تعالى عنقه، وإهلاكه إياه فيهم.
وقوله: (عُنُقَهُ) بضمّتين، أو ضمّ، فسكون؛ أي: رقبته، قال الفيّومي:
الْعُنُق: الرقبة، وهو مذكّر، والحجاز تؤنِّث، فيقال: هي العُنُق، والنون
مضمومة للإتباع في لغة الحجاز، وساكنة في لغة تميم، والجمع أعناق.
انتهى (?).
وقوله: (فِيهِمْ) متعلّق بـ "قَصَمَ"؛ والمعنى: عاجله الله عز وجل بكسر عنقه،
فمات (فَحَفَرُوا لَهُ)؛ أي: حفر أهل الكتاب لدفن هذا الرجل، كما يُفعل لغيره
من الأموات، (فَوَارَوْهُ) من المواراة، وهي الستر؛ أي: ستروه، ودفنوه،
(فَأَصْبَحَت)؛ أي: صارت (الأَرْضُ) التي دُفن فيها (قَدْ نَبَذَتْهُ)؛ أي: ألقته،
ورمته (عَلَى وَجْهِهَا)؛ أي: على ظاهرها عبرةً للناظرين، (ثُمَّ عَادُوا) لحفر القبر
(فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا) مرّةً ثانيةً، (ثُمَّ
عَادُوا، فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا) مرّةً ثالثة،
(فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا)؛ أي: مطروحًا على وجه الأرض، وفي رواية البخاريّ:
"فأماته الله، فدفنوه، فأصبح، وقد لفَظته الأرض، فقالوا: هذا فِعل محمد،
وأصحابه، لَمّا هَرَب منهم نبشوا عن صاحبنا، فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا،
فأصبح، وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فِعل محمد وأصحابه، نبشوا عن