فقال عمار: فإن كنت فيهم، فإنهم خمسة عشر، فقال وديعة: مهلًا يا أبا
اليقظان، أنشدك الله أن تفضحني، فقال عمار: والله ما سميت أحدًا، ولا
أسميه أبدًا، ولكني أشهد أن الخمسة عشر رجلًا اثنا عشر منهم حرب لله،
ولرسوله في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد. انتهى (?).
[تنبيه]: رواية مسلم واضحة في أن الكلام جرى بين حذيفة ورجل من
أهل العقبة، ولكن روايات أحمد والطبرانيّ متّفقة على أنه جرى بين عمار وبين
الرجل، ويُمكن أن يجاب بأن القصّتين وقعتا، أو يقال: ما في "الصحيح"
أصحِّ، والله تعالى أعلم.
(وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ) بن اليمان -رضي الله عنهما- (بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ)؛ أي: من
المنازعة، والمشاغبة، وقال القرطبيّ رحمه الله: وعنى أبو الطفيل بقوله: "بعض ما
يكون بين القوم": الملاحاة، والمعاتبة التي تكون غالبًا بين الناس. انتهى.
(فَقَالَ) الرجل الذي نازع حذيفة لحذيفة -رضي الله عنه-: (أَنْشُدُكَ بِاللهِ) وفي نسخة:
"أنشدك الله"؛ أي: أسألك رافعًا نشيدتي؛ أي: صوتي، (كَمْ كَانَ أَصْحَابُ
الْعَقَبَةِ؟ )؛ أي: العقبة التي في طريق تبوك. (قَالَ) أبو الطفيل (فَقَالَ لَهُ)؛ أي:
لحذيفة، (الْقَوْمُ) الحاضرون تلك المنازعة لحذيفة: (أَخْبِرْهُ)؛ أي: أخبر الرجل
بما سألك عنه، وقوله: (إِذْ سَأَلَكَ) "إذ" تعليليّة؛ أي: لأنه سألك، وناشدك
بالله، ومن سأل بالله له حقّ في الجواب، فقد أخرج ابن حبّان في "صحيحه"،
والحاكم، وصححه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سألكم بالله
فأعطوه، ومن استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أهدى إليكم
فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى ترون أن قد كافأتموه".
(قَالَ) حذيفة -رضي الله عنه-: (كُنَّا نُخْبَرُ) بالبناء للمفعول، وعبّر بالمجهول؛ طلبًا
للسَّتر، وإلا فحذيفة -رضي الله عنه- يعلمهم يقينًا؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أخبره بأسمائهم وأعيانهم
(أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) رجلًا، وهمزة "أنّ" مفتوحة؛ لوقوعها في موضع المصدر،
كما قال في "الخلاصة":
وَهَمْزَ "إِنَّ" افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ