وأعراضها، قوله: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} "ما" نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس،
ويشترون صفة، والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: بئس شيئًا يشترونه بذلك
الثمن. انتهى (?).
(وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ) -رضي الله عنهما- أيضًا آية أخرى، وهي قوله تعالى: ({لَا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}) تقدّم شرح هذه الآية في
الحديث الماضي.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) -رضي الله عنهما-: (سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَيْءٍ) قال الكرمانيّ: قيل:
هذا الشيء هو نَعْت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، (فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ)؛ أي: كتم يهود الشيء الذي
سألهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عنه، (وَأَخْبَرُوهُ بغَيْرِهِ)؛ أي: بغير ذلك الشيء المسؤول،
(فَخَرَجُوا) من عنده -صلى الله عليه وسلم-، والحال أَنهم (قَدْ أَرَوْهُ) -صلى الله عليه وسلم- (أَنْ) مخفّفة من الثقيلة،
واسمها ضمير محذوف، وقد فُصل بينها وبين خبرها الجملة الفعليّة بـ "قد"،
كما قال في "الخلاصة":
وَإِنْ تُخَفَّفْ "أَنَّ" فَاسْمُهَا اسْتَكَنّْ ... وَالْخَبَرَ اجْعَلْ مِنْ بَعْدِ "أَنّ"
وَإِنْ يَكُنْ فِعْلًا وَلَمْ يَكُنْ دُعَا ... وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا
فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِـ "قَدْ" أَوْ نَفِيٍ أوْ ... تَنْفِيسٍ أوْ "لَوْ" وَقَلِيلٌ ذِكْرُ "لَوْ"
أي: أنهم (قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ)؛ أي: بحقيقة الأمر الذي سألهم
عنه، وهم كاذبون في ذلك، (وَاسْتَحْمَدُوا)؛ أي: طلبوا الحمد والثناء لهم
(بِذَلكَ) الخبر الكذب (إِلَيْهِ) -صلى الله عليه وسلم-، متعلّق بـ "استحمدوا"، (وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا)
بالقصر؛ أي: بالذي فعلوه، وقوله: (مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ) -صلى الله عليه وسلم- بيان لـ "ما"، وقوله:
(مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ) "ما" موصول مفعول ثان لـ "كتمان"؛ لأنه مصدر فعل يتعدّى إلى
اثنين، يقال: كَتَمْتُ زيدًا الحديثَ كَتْمًا، من باب قَتَل، وكِتْمانًا، بالكسر،
يتعدى إلى مفعولين، ويجوز زيادة "مِنْ" في المفعول الأول، فيقال: كتمت من
زيد الحديثَ، مثل بعته الدارَ، وبعت منه الدارَ، ومنه عند بعضهم: {وَقَالَ رَجُلٌ
مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28] وهو على التقديم والتأخير،
والأصل يكتم من آل فرعون إيمانه، قاله الفيّوميّ رحمه الله. انتهى (?).