و {أَرْدَاكُمْ} خبر ثالث، والمعنى: أن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون

أهلككم، وطرحكم في النار {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}؛ أي: الكاملين في

الخسران، قاله الشوكانيّ رحمه الله (?).

وقال الإمام ابن جرير الطبريّ رحمه الله: اختَلَف أهل التأويل في معنى قوله:

{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}، فقال بعضهم: معناه: وما كنتم تستخفون. وقال

آخرون: معناه: وما كنتم تتقون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كنتم

تظنون.

ثم قال ابن جرير: وأَولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى

ذلك: وما كنتم تَستَخْفُون، فتتركوا ركوب محارم الله في الدنيا حَذَرًا أن يشهد

عليكم سمعكم وأبصاركم اليوم.

وإنما قلنا: ذلك أَولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لأن المعروف من

معاني الاستتار: الاستخفاء.

فإن قال قائل: وكيف يستخفي الإنسان عن نفسه مما يأتي؟ .

قيل: قد بيَّنا أن معنى ذلك إنما هو الأماني، وفي تركه إتيانه إخفاؤه عن

نفسه.

وقوله: ({وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}) يقول جلّ ثناؤه:

ولكن حسبتم حين ركبتم في الدنيا من معاصي الله أن الله لا يعلم كثيرًا مما

تعملون من أعمالكم الخبيثة، فلذلك لم تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم

وأبصاركم وجلودكم، فتتركوا ركوب ما حرّم الله عليكم. انتهى (?).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ

سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}؛ أي: تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها

على الشهادة عليهم: ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه، بل كنتم

تجاهرون الله بالكفر والمعاصي، ولا تبالون منه في زعمكم؛ لأنكم كنتم لا

تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم؛ ولهذا قال: { ... وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015