جبير، وسعيد بن المسيب بفتحتين، ومعنى {مُسَنَّدَةٌ}: أنَّها أُسندت إلى غيرها،
من قولهم: أسندت كذا إلى كذا، والتشديد للتكثير، ثم عابهم الله سبحانه
بالخبْن، فقال: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}؛ أي: يحسبون كلّ صيحة يسمعونها
واقعة عليهم، نازلة بهم؛ لفرط جُبْنهم، ورُعب قلوبهم، وفي المفعول الثاني
للحسبان وجهان:
أحدهما: أنه عليهم، ويكون قوله: {هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون: 4] جملة
مستأنفة؛ لبيان أنهم الكاملون في العداوة؛ لكونهم يُظهرون غير ما
يُبطنون.
والوجه الثاني: أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله: {هُمُ الْعَدُوُّ}،
ويكون قوله: {عَلَيْهِمْ} [المنافقون: 4] متعلقًا ب {صَيْحَةٍ} [المنافقون: 4]، وإنما
جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر، وكان حقّه أن يقال: هو العدوّ، والوجه
الأَوَّل أَولي، قال مقاتل، والسديّ: أي: إذا نادى منادٍ في العسكر، أو انفلتت
دابة، أو أُنشدت ضالة ظنوا أنهم المرادون، لِمَا في قلوبهم من الرعب، ومن
هذا قول الشاعر:
مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيءٍ بَعْدَهُمُ ... خَيْلًا تَكُرُّ عَلَيْهِمْ وَرِجَالَا
وقيل: كان المنافقون على وَجَل من أن ينزل فيهم ما يَهتك أستارهم،
ويبيح دماءهم، وأموالهم.
ثم أمر الله سبحانه رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يأخذ حَذَره منهم، فقال: {فَاحْذَرْهُمْ}
أن يتمكنوا من فرصة منك، أو يَطَّلعوا على شيء من أسرارك؛ لأنهم عيون
لأعدائك من الكفار.
ثم دعا عليهم بقوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4]؛ أي:
لعنهم الله، وقد تقول العرب هذه الكلمة على طريقة التعجب؛ كقولهم:
قاتله الله مِن شاعر، أو ما أشعره، وليس بمراد هنا، بل المراد ذمّهم
وتوبيخهم، وهو طلب من الله سبحانه طلبه من ذاته - عَزَّوَجَلَّ - أن يلعنهم، ويخزيهم، أو
هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا ذلك، ومعنى {أَنَّى يُؤْفَكُونَ}: كيف يُصرفون عن
الحق، ويميلون عنه إلى الكفر، قال قتادة: معناه: يَعدِلون عن الحقّ، وقال