فلما توهموا أن العزة بكثرة الأموال، والأتباع، ردّ الله تعالى عليهم ذلك،
وفنّده، وبيّن لهم أن العزة، والْمَنَعَة، والقوّة لله وحده لا شريك له، فقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}
[المنافقون: 8]؛ أي: القوّة، والغلبة لله وحده لا شريك
له، ولمن أفاضها عليه من رسله، وصالحي عباده، لا لغيرهم، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} بما فيه النفع فيفعلونه، وبما فيه الضرّ فيجتنبونه، بل هم
كالأنعام لِفَرْط جهلهم، ومزيد حيرتهم، والطبع على قلوبهم (?).
[تنبيه]: سبب قول عبد الله بن أُبيّ هذا الكلام بُيّن في حديث جابر - رضي الله عنه -،
فقد أخرج الشيخان عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -
يقول: كنا في غَزاة، فَكَسَع (?) رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال
الأنصاريّ: يا لَلأنصار، وقال المهاجريّ: يا لَلمهاجرين، فسَمَّعَها الله
رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما هذا؟ " فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من
الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فقال
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دَعُوها، فإنها منتنة"، قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أكثر، ثم كَثُر المهاجرون بعدُ، فقال عبد الله بن أُبَيّ: أوَ قد فعلوا؟ والله {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8]، فقال عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه -: دَعْني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"دَعْهُ، لا يتحدّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (?).
(قَالَ) زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: (فَأَتيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ) هذا ظاهر في
أن زيدًا أخبر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنفسه، لكن وقع في رواية للبخاريّ بلفظ: "فذكرت
ذلك لعمّي، أو لعمر، فذكره للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".
قال في "الفتح": قوله: "فذكرت ذلك لعمي، أو لعمر" كذا بالشكّ، وفي
سائر الروايات الآتية: "لعمي" بلا شكّ، وكذا عند الترمذي من طريق أبي سعد
الأزديّ، عن زيد، ووقع عند الطبرانيّ، وابن مردويه أن المراد بعمه: سعد بن