قال ابن الجوزيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: على هذا الحديث استشكال، وهو أن يقال:

كيف أمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل رجل بالتهمة؟ فقد أجاب عنه ابن جرير، فقال: جائز أن

يكون قد كان من أهل العهد، وقد تقدم إليه بالنهي عن الدخول على مارية،

فعاد، فأمر بقتله لنقض العهد. انتهى (?).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعليّ: "اذهب فاضرب عنقه" فيه إشكال،

وهو: أنَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف يأمر بضرب عنق هذا الرجل، ولم يكن هناك موجبٌ

للقتل، وقد ظهر ذلك حين انكشف حال الرَّجل؛ ويزول هذا الإشكال بأن هذا

الحديث رواه أبو بكر البزار، بمساق أكمل من هذا، وأوضح، فقال فيه: عن

عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كُثِّر على مارية في قبطيّ ابن عم لها كان

يزورها، ويختلف إليها، فقال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خذ هذا السيف، فانطلق،

فإن وجدته عندها فاقتله". قال: قلت: يا رسول الله! أكون في أمرك كالسِّكة

المحماة، لا يثنيني شيء، حتى أمضي لِمَا أمرتني، أم الشاهد يرى ما لا يرى

الغائب؛ فقال: "بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب"، وذكر الحديث بنحو ما

تقدم، فهذا يدلّ على أنَّ أمْره بقتله إنَّما كان بشرط أن يجده عندها على حالة

تقتضي قتله، ولمّا فَهِمَ عنه عليّ - رضي الله عنه - ذلك سأله، فبيَّن له بيانًا شافيًا، فزال

ذلك الإشكال، والحمد لله ذي الجلال.

وَيحْتَمِل أن يقال: إن ذلك خرج من النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخرج التغليظ، والمبالغة

في الزجر على موجب الغيرة الْجِبِلِّيَّة، والأول ألْيق، وأسلم، والله بحقائق

الأمور أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).

قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أمر عليًّا - رضي الله عنه - بقتل الرجل إلَّا

بعد أن يثبت لديه ما يوجب قتله، من تعرّضه لجاريته، ولذا لمّا وجده عليّ

مجبوبًا كفّ عن قتله، وأقرّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، فبهذا يزول الاستشكال، والله

تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015