سعد بن معاذ، أخو بني عبد الأشهل، فقال: أنا يا رسول الله أَعذِرك، فإن كان
من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، ففعلنا
أمرك، قالت: فقام رجل من الخزرج، وكانت أم حسان بنت عمه، من فخذه،
وهمِ سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلًا صالِحًا،
ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على
قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يُقتل، فقام أُسيد بن حُضير، وهو ابن
عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق، تجادل
عن المنافقين، قالت: فثار الحيّان: الأوس والخزرج، حتى هَمُّوا أن يقتتلوا،
ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم على المنبر، قالت: فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخفضهم،
حتى سكتوا، وسكت، قالت: فبكيت يومي ذلك كله، لا يرقأ لي دمع، ولا
أكتحل بنوم، قالت: وأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين، ويومًا، لا يرقأ
لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينا أبواي
جالسان عندي، وأنا أبكي، فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها،
فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علينا،
فسلَّم، ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث
شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتتشهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين جلس،
ثم قال:
"أما بعد، يا عائشة، إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة،
فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد
إذا اعترف، ثم تاب تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالته
قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عني
فيه، قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت لأمي:
أجيبي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما قال، قالت أمي: والله ما أدري ما أقول
لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت - وأنا جارية حديثة السنّ، لا أقرأ من القرآن كثيرًا -:
إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقر في أنفسكم،
وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة، لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم
بأمر، والله يعلم أني منه بريئة، لتصدقُنِّي، فوالله لا أجد لي ولكم مَثَلًا إلَّا أبا