أَحْمِي) من الحماية؛ أي: أحفظ (سَمْعِي وَبَصَرِي) فلا أنسب إليهما ما لَمْ
أسمع، وأبصر.
وقال القرطبيّ: قول زينب - رضي الله عنها -: "أحمي سمعي، وبصري"؛ أي: أمنعهما
من عقوبة الله تعالى بالكفّ عن قولط: ست، أو رأيت، ولم أسمع، ولم أر،
وما علمت إلَّا خيرًا، فعَصمها الله من الهلاك بما رزقها من التثبّت، والدين،
والورع، مع أنَّها كانت تناصبها، وتنافسها في المرتبة، فكان كما قال من لا
يجوز عليه الخطأ ولا الكذب: { ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] (?).
(والله مَا عَلِمْتُ) عليها (إِلَّا خَيْرًا)، أي: عفّة، وحصانة، وتقى. (قَالَتْ
عَائِشَةُ) - رضي الله عنها -: (وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي) " أي: تعاليني من السموّ، وهو العلوّ،
والارتفاع؛ أي: تطلب من العلوّ، والرفعة، والحظوة عند النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أطلب، أو
تعتقد أن الذي لها عنده مثل الذي لي عنده، قال الحافظ: وذَهِل بعض الشراح،
فقال: إنه من سَوْم الخسف، وهو حَمْل الإنسان على ما يكرهه، والمعنى:
تغايظني، وهذا لا يصحّ، فإنه لا يقال في مثله: سام، ولكن: ساوم. انتهى.
(مِنْ) بين (أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَصَمَهَا)؛ أي: حفظها، (ومنعها اللهُ) - عَزَّوَجَلَّ -
(بِالْوَرَعِ)؛ أي: بالمحافظة على دينها، ومجانبة ما تخشَى سوء عاقبته،
(وَطَفِقَتْ) بكسر الفاء، وتفتح؛ أي: شرعت، وأخذت (أُخْتُهَا حَمْنَةُ) بفتح الحاء
المهملة، وسكون الميم، (بِنْتُ جَحْشٍ) وكانت تحت طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -،
(تُحَارِبُ لَهَا)؛ أي: تجادلط لها، وتتعصّب، وتحكي ما قال أهل الإفك؛
لتنخفض منزلة عائشة، وتعلو مرتبة أختها زينب، (فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ)؛ أي:
حدّثت، فيمن حدّث، أو أثمت مع من أثم.
(قَالَ) ابن شهاب (الزُّهْرِيُّ: فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ)
وفي رواية: "فهذا الذي بلغنا من حديث هؤلاء الرهط"، يعني: مشايخه
الأربعة: سعيد بن المسيِّب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقّاص، وعبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود.