قال الشوكانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ثم علّمهم سبحانه أدبًا آخر، فقال: {وَلْيَعْفُوا}
[النور: 22] عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم، وجنايتهم التي اقترفوها، مِن عَفَا
الرّبْع؛ أي: درس، والمراد: محو الذَّنْب حتى يعفو، كما يعفو أثر الربع،
{وَلْيَصْفَحُوا} [النور: 22]، بالإغضاء عن الجاني، والإغماض عن جنايته، وقرئ
بالفرقية في الفعلين جميعًاء
ثم ذكر - ترغيبًا عظيمًا لمن عفا، وصفح -، فقال: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}
[النور: 22] بسبب عفوكم، وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم،
{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور: 22]؛ أي: كثير المغفرة والرحمة لعباده، مع كثرة ذنوبهم،
فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو، والصفح عن المسيئين إليهم. انتهى (?).
وقال سليمان الجمل: قوله: {وَلْيَعْفُوا}، أي: أولو الفضل عن
الخائضين في الإفك، {وَلْيَصْفَحُوا}؛ أي: ليُعرضوا عن لومهم، فإن العفو أن
يتجاوز عن الجاني، والصفح أن يتناسى جُرمه، وقيل: العفو بالفعل، والصفح
بالقلب. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره": قوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}
تمثيل، وحجة؛ أي: كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم، فكذلك اغفروا
لمن دونكم، ويُنظر إلى هذا المعنى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من لا يَرْحَم لا يُرْحَم" (?).
انتهى.
قال الإمام مسلم - رَحِمَهُ اللهُ -: (قَالَ حِبَّانُ) بكسر الحاء المهملة، وتشديد
الموحّدة (ابنُ مُوسَى) شيخه في هذا الحديث، فهو موصول، وليس معلّقًا.
(قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ) الآية؛ يعني: قوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَكُمْ}، (أَرْجَى آيةٍ فِي كِتَابِ اللهِ) - عَزَّوَجَلَّ - حيث بشّرت بغفران ذنوب من يغفر،
ويصفح عن غيره، قال في "الفتح": وإلى هذا أشار القائل:
فَإِنَّ قَدْرَ الذَّنْبِ مِنْ مِسْطَحِ ... يَحُطُّ قَدْرَ النَّجْمِ مِنْ أُفْقِهِ