ضاعت (بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ) "بعد" ظرف لـ"وجدت"، و"ما" مصدريّة،
وفيستمرّ" بمعنى مضى (?)؛ أي: بعد مضيّ الجيش، وذهابه، وقال في "الفتح":
"استمرّ"؛ أي: ذهب ماضيًا، وهو استَفْعل، من مَرّ. انتهى.
وقال في "العمدة": "واستمرّ"؛ أي: ذهب، ومضي، قاله الداوديّ، ومنه
قوله تعالى: {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]؛ أي: ذاهب، أو معناه دائم، أو قويّ
شديد. انتهى (?).
(فَجئْتُ مَنَازِلَهُمْ) جمع منزلط؛ أي: مواضع نزولط الجيش، (وَ) الحال أنه
(لَيْسَ بِهَا)، أي: بتلك المنازل (دَاعٍ)، أي: طالب يطلب الضائع، وينادي: يا
فلان أين أنت، (وَلَا مُجِيبٌ)؛ أي: لذلك الداع، والمراد أنه ليس هناك طالب
ولا مطلوب، بل ذهب كلّ من كان في ذلك الموضع. وفي رواية فليح: "وليس
فيها أحدٌ".
[فإن قيل]: لِمَ لَمْ تستصحب عائشة معها غيرها، فكان أدعى لأمنها، مما
يقع للمنفرد، ولكانت لَمّا تأخرت للبحث عن العقد، ترسل من رافقها؛
لينتظروها، إن أرادوا الرحيل؟
[والجواب]: أن هذا من جملة ما يستفاد من قولها: "حديثة السنّ"؛
لأنَّها لَمْ يقع لها تجربة مثل ذلك، وقد صارت بعد ذلك إذا خرجت لحاجتها
تستصحب، كما سيأتي في قصتها مع أم مسطح.
(فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي)؛ أي: قصدت، وفي رواية البخايّ: "فأممت منزلي"
بالتخفيف؛ أي: قَصدته، قال في "الفتح": وفي رواية أبي ذرّ هنا بتشديد الميم
الأُولي، قال الداوديّ: ومنه قوله تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]،
قال ابن التين: هذا على أنَّه بالتخفيف. انتهى.
(الَّذِي كُنْتُ) نازلة (فِيهِ) أَوّلًا، (وَظَنَنْتُ) الظنّ هنا بمعنى العلم؛ أي:
علمت (أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونَنِي) هكذا في بعض النسخ: بنونين، إحداهما نون
الرفع، والثانية نون الوقاية، وفي بعض النسخ: "سيفقدوني" بنون واحدة، وهو
يَحْتَمل أن تكون النون مخفّفة بحذف إحدى النونين، وَيحْتَمل أن تكون مشدّدة،
بإدغام المتماثلين.