فِيهِ وَحْئ مِنَ اللهِ -عز وجل-، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ،
وَالظِّلَالُ، فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ، فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو
لِكَئ أتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أقضِ شَيْئًا، وَأقُولُ فِي نَفْسِي: أنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ
إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي، حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ
رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- غَادِيًا، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ،
فَرَجَعْتُ، وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي، حَتَّى أَسْرَعُوا، وَتَفَارَطَ
الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ، فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي،
فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- يَحْزُنُنِي أَنِّي لَا أَرَى لِي
أُسْوَةً، إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ.
وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ (?)، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقًوْمِ
بِتَبُوكَ: "مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ "، قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ (?): يَا رَسُولَ اللهِ،
حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَةُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ، والله يَا
رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْةِ إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ
رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-: "كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ"، فَإِذَا
هُو أَبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ،
فَقَالَ كعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ،
حَضَرَنِي بَثِّي، فَطَفِقْتُ أتذَكرُ الْكَذِبَ، وَأقولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا،
وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيِ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ لِي: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-
قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، حَتَّى عَرَفْتُ أني لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَدًا،
فَأجمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبُّحَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
بَدَأَ بالْمسْجِدِ، فَرَكعَ فِيهِ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَة
الْمُخًلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ