الطبريّ، وقاله الشيخ أبو الحسن الأشعريّ أوّلًا. وقال آخرون: لا يكفّر بجهل
الصفة، ولا يخرج به عن اسم الإيمان، بخلاف جحدها، وإليه رجع أبو
الحسن الأشعريّ، وعليه استقرّ قوله، قال: لأنه لم يعتقد ذلك اعتقادًا نقطع
بصوابه، ويراه دينًا وشرعًا، وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حقّ؛ قال هؤلاء:
ولو سئل الناس عن الصفات، لَوُجد العالم بها قليلًا.
وحكاه ابن عبد البرّ عن المتقدّمين، من العلماء، ومن سلك سبيلهم، من
المتأخرين، واستدلّ عليه بأن عمر، وعمران بن حُصين، وجماعة من الصحابة،
سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القدَر، ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك، وهم
جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك
كافرين. انتهى.
الرابع: أنَّه كان في زمن فترة، حين ينفع مجرّد التوحيد، ولا تكليف قبل
ورود الشرع على المذهب الصحيح، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولًا} [الإسراء: 15].
الخامس: أنَّه يجوز أنَّه كان متمسّكًا بشريعة فيها جواز العفو عن الكافر،
وإن كان ذلك غير جائز في شرعنا، فإنَّه من مجوّزات العقول عند أهل السُّنَّة،
وإنما منعناه في شرعنا بالشرع، وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ} الآية [النساء: 116]. وغير ذلك من الأدلّة.
ونصّ عبارة ابن عبد البرّ - رحمه الله - في "الاستذكار": وفي رواية أبي رافع عن
أبي هريرة في هذا الحديث أنَّه قال: "قال رجل لم يعمل خيرًا قط إلا
التوحيد"، وهذه اللفظة ترفع الإشكال في إيمان هذا الرجل، والأصول كلها
تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال أن يغفر الله للذين يموتون وهم كفار؛
لأنَّ الله - عز وجل - قد أخبر أنَّه لا يغفر أن يشرك به، وقال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، فمن لم ينته عن شركه، ومات
على كفر لم يك مغفورًا له، قال الله - عز وجل -: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ
كُفَّارٌ} [النساء: 18].
وأما قوله: "لم يعمل حسنة قط" وقد روي: "لم يعمل خيرًا قط" ما عدا