وإما اللوح المحفوظ الذي فيه ذِكر أصناف الخلق، وبيان أمورهم، وآجالهم،
وأرزا قهم، وأحوالهم، ويكون معنى: "فهو عنده فوق العرش"؛ أي: ذِكره،
وعلمه، وكل ذلك جائز في التخريج، على أنَّ العرش خَلْق مخلوق تحمله
الملائكة، فلا يستحيل أن يماسُوا العرش إذا حملوه، وإن كان حامل العرش
وحامل حملته هو الله، وليس قولنا: إن الله على العرش؛ أي: مماس له، أو
متمكن فيه، أو متحيز في جهة من جهاته، بل هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا
به، ونفينا عنه التكييف؛ إذ ليس كمثله شيء (?).
قال الجامع عفا الله عنه: مضمون كلام الخطابيّ المذكور أنه ينفي أن
يكون فوق العرش كتاب؛ حيث تأول الكتاب بعلم الله تعالي، وهذا غير
صحيح، بل الحقّ أن الله تعالى كتب كتابًا، فهو عنده فوق العرش.
وأجاد صاحب "المرعاة" حيث قال بعد ذكر كلام الخطّابيّ المذكور:
قلت: هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا به، ونفينا عنه التكييف؛ إذليس كمثله
شيء، فالأَولي، بل المتعيَّن إمراره على ظاهره، كما جاء من غير تصرف فيه.
انتهى (?).
وسيأتي لبعض المحقِّقين مزيد ردّ على الخطابيّ في المسألة الثالثة - إن
شاء الله تعالى -.
وقال ابن أبي جمرة: يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش أن
الحكمة اقتضت أن يكون العرش حاملًا لِمَا شاء الله من أثر حكمة الله،
وقدرته، وغامض غَيْبه؛ ليستأثر هو بذلك من طريق العلم، والإحاطة، فيكون
من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب، قال: وقد يكون ذلك تفسيرًا لقوله:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]؛ أي: ما شاءه من قدرته، وهو كتابه
الذي وضعه فوق العرش. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: أول كلام ابن أبي جمرة حقّ، فقد أثبت الكتاب