وقال النوويّ -رَحِمَهُ الله-: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الكلام إلى الله ... إلخ" هذا

محمول على كلام الآدميّ، وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من

التسبيح، والتهليل المطلق، فأمَّا المأثور في وقت، أو حال، ونحو ذلك

فالاشتغال به أفضل، والله أعلم. انتهى (?).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ الله-: هذا الحديث يعارضه قوله في حديث أبي هريرة

المتقدِّم في فضل التهليل: "ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل

أكثر من ذلك"، وقوله: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله"،

وقد تقدَّم في حديث سمرة بن جندب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الكلام إلى الله أربع:

سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرّك بأيهنّ بدأت"

فقد مضى هذا الحديث بأن الأربعة متساوية في الأفضلية، والأحبية، من غير

مراعاة تقديم بعضها على بعض، ولا تأخيره، وأن التسبيح وحده لا ينفرد

بالأفضلية، ولا التهليل وحده أيضًا ينفرد بها، وإذا ثبت ذلك، فحيث أُطلق أن

أحد هذه الأذكار الأربعة أفضل الكلام، أو أحبّه، إنما يراد إذا انضمت إلى

أخواتها الثلاث المذكورة في هذا الحديث، إما مجموعة في اللفظ، أو في

القلب بالذكر؛ لأنَّ اللفظ إذا دلّ على واحد منها بالمطابقة دلّ على سائرها

باللزوم.

وبيان ذلك: أن معنى "سبحان الله" البراءة له من كل النقائص، والتنزيه

عما لا يليق بجلاله، ومن جملتها تنزيهه عن الشركاء، والأنداد، وهذا معنى

"لا إله إلا الله"، هذا مدلول اللفظ من جهة مطابقته، ولمَّا وجب تنزيهه عن

صفات النقص، لزم اتصافه بصفات الكمال؛ إذ لا واسطة بينهما، وهي المعبَّر

عنها بالحمد لله، ثم لمّا تنزه عن صفات النقص، واتّصف بصفات الكمال،

وجبت له العظمة والجلال، وهو معنى "الله أكبر"، فقد ظهر لك أن هذه

الأربعة الأذكار متلازمة في المعنى، وأنها قد شَمِلها لفظ الأحبّية، كما جاء في

الحديث، فمن نطق بجميعها، فقد ذكر الله تعالى بأحب الكلام إلى الله لفظًا

ومعنًى، ومن نطق بأحدها، فقد ذكر الله ببعض أحب الكلام نطقًا، وبجميعها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015