وقد قال المحاسبيّ: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا
آمنين عذاب الله تعالى.
وقيل: يَحْتَمِل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب، ويكون
استغفاره شكرًا كما سبق.
وقيل: هو شيء يعتري القلوب الصافية مما تتحدث به النفس، فهَوّشها،
والله أعلم. انتهى (?).
وقال في "الفتح": قال الشيغ شهاب الدين السُّهْرَوَرديّ: لا يُعتقَد أن
الغين في حالة نقص، بل هو كمال، أو تتمة كمال، ثم مثل ذلك بجفن العين
حين يُسْبَل ليدفع القذى عن العين مثلًا، فإنه يمنع العين من الرؤية، فهو من
هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة هو كمال، هذا مُحَصَّل كلامه بعبارة طويلة،
قال: فهكذا بصيرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- متعرضة للأغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فدعت
الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته؛ صيانة لها، ووقاية عن ذلك. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن هذه الأقوال كلّها تخرّصات،
وظنونات لا تنبني على دليل صحيح، فالحقّ أن نقول: إن الغين المذكور من
المتشابه الذي لا يعلم حقيقته إلا الله عزوجل، وقد أخبرنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه يُغان على
قلبه، فنصدّق بذلك، وأما حقيقة ذلك الغين الذي يغطي قلبه -صلى الله عليه وسلم- فلم يبيّنه لنا،
فلا ينبغي أن نتخرّص بتعيينه، وما أحسن ما قال الأصمعيّ لَفا سُئل عنه: أَبُو
كان قلب غير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لتكفمت عليه، ولكن العرب تزعم أن الغين: الغيم
الرقيق (?)، قال الطيبيّ رحمه الله (?): ولله درّه في انتهاجه منهج الأدب، وإجلال
القلب الذي جعله الله موضع وحيه، ومنزل رحماته.
والحاصل: أن الأدب في هذا تفويض علم حقيقة الغين إلى العالم
الخبير، ثم إلى من أمدّه الله تعالى بتنزيل وحيه المبين، والله تعالى الهادي إلى
سواء السبيل.