قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قرّر وليّ الدين -رحمه الله- استثناء تمنّي الموت

حبًّا لله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعندي في ذلك نظر، فعموم حديث أبي

هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لا يتمنّى أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله يزداد، وإما

مسيئًا فلعله يَستعتب" -رواه البخاريّ بهذا اللفظ-، عامّ يتناول هذا المستثنى،

فلا وجه لاستثنائه، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(المسألة السابعة): [إن قلت]: إذا كانت الآجال مقدرةً، لا يزداد فيها، ولا

ينقص منها، فما الذي يؤثر تمني الموت في ذلك، وما الحكمة من النهي عنه؟ .

[قلت]: هذا هو المعنى المقتضي للنهي عنه؛ لأنه عَبَث، لا فائدة فيه، وفيه

مراغمة المقدور، وعدم الرضا به، مع ما تقدم من كون المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا.

[فإن قلت]: إذا تقرر أن التمني للموت لا يؤثر في الأعمال؛ لتقديرها،

فما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في اليهود: "أنهم لو تمنوا الموت لماتوا جميعًا"؟

[قلت]: ذاك قاله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بوحي خاصّ، أوحي إليه في حقّ أولئك

اليهود أنهم لو تمنّوا الموت لماتوا، فرُتِّبت آجالهم على وصفٍ إن وُجد منهم

ماتوا، وإن لم يوجد بَقُوا إلى وقت مقدّر لهم، والله تعالى يعلم هل يتمنون

الموت، فتقرب آجالهم، أو لم يتمنونه، فتبعد آجالهم؟ والأسباب مقدرة، كما

أن المسبَّبات مقدرة، وهذا كما في الحديث الصحيح؛ أنه قيل للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-:

أرأيت رُقًى نَسترقِي بها، ودواءً نَتَدَاوى به، هل يردّ من قدر الله شيئًا؟ ، فقال:

"هي من قدر الله تعالى". ذكر الفوائد كلها الحافظ وليّ الدين العراقيّ -رحمه الله- في

كتابه الممتع "طرح التثريب في شرح التقريب" (?)، وهي فوائد حسان، ونُزهة

قرائح ذوي العرفان، والله تعالى المستعان، وعليه التكلان.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رحمه الله- أوّلَ الكتاب قال:

[6791] ( ... ) - (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ح)

وَحَدَّثَنى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثنا عَفَّانُ، حَدَّثنا حَمَادٌ -يَعْني: ابْنَ سَلَمَةَ- كِلَاهُمَا

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنسٍ، عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: (مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ").

طور بواسطة نورين ميديا © 2015