ما تتبعته من القرآن ثمانية وستون اسماً، فإنه اقتصر على ما ورد فيه بصورة
الاسم، لا ما يؤخذ من الاشتقاق؛ كالباقي من قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}
[الرحمن: 27]، ولا ما ورد مضافاً؛ كالبديع من قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]، وسأبيّن الأسماء التي اقتصر عليها قريباً.
وقد استضعف الحديث أيضاً جماعة، فقال الداوديّ: لم يثبت أن
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عَيَّن الأسماء المذكورة.
وقال ابن العربيّ: يَحْتَمِل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع،
ويَحْتَمِل أن تكون مِن جَمْع بعض الرواة، وهو الأظهر عندي.
وقال أبو الحسن القابسيّ: أسماء الله وصفاته لا تُعلم إلا بالتوقيف من
الكتاب، أو السُّنَّة، أو الإجماع، ولا يدخل فيها القياس، ولم يقع في الكتاب
ذِكر عدد معيَّن، وثبت في السُّنَّة أنها تسعة وتسعون، فأخرج بعض الناس من
الكتاب تسعة وتسعين اسماً، والله أعلم بما أخرج من ذلك؛ لأن بعضها ليست
أسماء؛ يعني: صريحةً.
ونقل الفخر الرازيّ عن أبي زيد البلخيّ أنه طعن في حديث الباب،
فقال: أما الرواية التي لم يُسرَد فيها الأسماء، وهي التي اتفقوا على أنها أقوى
من الرواية التي سُردت فيها الأسماء، فضعيفة من جهة أن الشارع ذكر هذا
العدد الخاصّ، ويقول: إن من أحصاه دخل الجنة، ثم لا يسأله السامعون عن
تفصيلها، وقد عَلِمت شدّة رغبة الخلق في تحصيل هذا المقصود، فيمتنع أن لا
يطالبوه بذلك، ولو طالبوه لبيَّنها لهم، ولو بيَّنها لَمَا أغفلوه، ولنُقل ذلك عنهم،
وأما الرواية التي سُردت فيها الأسماء، فيدلّ على ضَعفها عدم تناسبها في
السياق، ولا في التوقيف، ولا في الاشتقاق؛ لأنه إن كان المراد الأسماء
فقط، فغالبها صفات، وإن كان المراد الصفات، فالصفات غير متناهية.
وأجاب الفخر الرازيّ عن الأول بجواز أن يكون المراد من عدم
تفسيرها: أن يستمروا على المواظبة بالدعاء بجميع ما ورد من الأسماء؛ رجاء
أن يقعوا على تلك الأسماء المخصوصة، كما أُبهمت ساعة الجمعة، وليلة
القدر، والصلاة الوسطى.
وعن الثاني بأن سَرْدها إنما وقع بحسب التتبع، والاستقراء على الراجح،