واعتزل، وخلا بمراعاة الأمر والنهي. انتهى (?).
وقال في "المشارق": قوله: "سبق الْمُفَرِّدون" بفتح الفاء، وكسر الراء،
كذا ضبطناه، قال ابن الأعرابيّ: يقال: فَرَّدَ الرجلُ مشدّد الراء: إذا تفقه،
واعتزل الناس، وخلا بمراعاته الأمر والنهي، وقال ابن قتيبة: هم الذين هلك
لِدَاتُهم من الناس، وبَقُوا هم يذكرون الله، وقال الأزهريّ: هم المتَخَلُّون عن
الناس بذكر الله، وقيل: المنفرد بذكر الله: الذي لم يخلط به غيره، وبعضها
قريب من بعض، راجعة إلى معنى الانعزال عن الناس لعبادة الله، وقد جاء
مفسَّرًا في حديث، "قيل: من المفردون؟ فقال: هم الذين اهْتِروا في ذكر الله،
يضع الذكر أثقالهم، فيأتون خِفَافًا"، وقيل: أُهْتِروا: أصابهم خبال، وقيل:
المفرّدون: الموحِّدون الذين لا يرون إلا الله تعالى، واعتقدوه واحدًا فردًا،
وأخلصوا له بكلّيتهم، وهو من معنى ما قبله، وقيل: معناه مثل قولهم: هَرِم
فلان في طاعة الله؛ أي: لم يزل ملازمًا لها حتى هَرِم، وقيل: أُهتِروا:
اشتَهَروا، وقيل: أُولعُوا. انتهى (?).
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: وروى موسى بن عُبيدة، عن أبي عبد الله
القَرّاظ، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- نُسير بالقريب
من جُمدان، إذِ استَنْبَه، فقال: "يا معاذ أين السابقون؟ " فقلت: قد مَضَوا،
وتخلّف أناس، فقال: "يا معاذ إن السابقين الذين يُسْتَهْتَرون بذكر الله"، خرّجه
جعفر الفريانيّ (?).
قال: ومن هذا السياق يظهر وَجْه ذِكر السابقين في هذا الحديث، فإنه
لمّا سبق الركب، وتخلّف بعضهم، نَبّه النبيّ -صلي الله عليه وسلم- على أن السابقين على الحقيقة
هم الذين يُديمون ذكر الله، وُيولَعُون به، فإن الاستهتار بالشيء هو الوُلوع به،
والشّغَفُ حتى لا يكاد يفارق ذكره، وهذا على رواية من رواه: "الْمُسْتَهْتَرُون"،
ورواه بعضهم، فقال فيه: "الذين أُهْتِرُوا في ذكر الله"، وفسّر ابن قتيبة الْهَتْر