في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]؛ أي:
ما في غيبك، والأليق بهذا الحديث أن يكون معناه: أن من ذَكر الله تعالى
خاليًا منفردًا بحيث لا يطّلع أحد من الخليقة على ذكره، جازاه الله على ذلك
بأن يذكره بما أعدّ له من كرامته التي أخفاها عن خليقته، حتى لا تعلم نفس ما
أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون، وقد قلنا: إن التسليم هو
الطريق المستقيم. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: كلام القرطبيّ هذا من جنس ما قبله، فالحقّ
كما قال هو في آخر كلامه: إن التسليم هو الطريق المستقيم، أن نسلّم أن الله
تعالى له نَفْس، لا كنفس المخلوقات، بل على ما يليق بجلاله -سبحانة وتعالي-، فإذا ذكره
عبده في نفسه ذكره في نفسه ذكرًا حقيقيًّا، فتنبّه، ولا تكن أسير التقليد، والله
تعالى وليّ التوفيق.
(وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلٍإ) بفتح الميم واللام مهموزًا: الجماعة، قال
الفيّوميّ -رحمه الله-: الملأ: مهموزًا: أشراف القوم، سُمّوا بذلك لملاءتهم بما يُلتمَس
عندهم، من المعروف، وجَودة الرأي، أو لأنهم يملؤون العيون أُبّهةً، والصدور
هيبةً، والجمع: أملاء، مثلُ سبب وأسباب. انتهى (?).
(ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: يعني: أن من يذكره في
ملأ من الناس، ذكًره الله تعالى في ملأ من الملائكة؛ أي: أثنى عليه، ونوّه
باسمه في الملائكة، وأمر جبريل أن ينادي بذكره في ملائكة السموات، كما
تقدَّم، وهو ظاهرٌ في تفضيل الملائكة على بني آدم، وهو أحد القولين للعلماء.
انتهى (?).
وقال في "الفتح": قال بعض أهل العلم: يستفاد منه أن الذكر الخفيّ
أفضل من الذكر الجهريّ، والتقدير: إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب، لا أُطْلِع
عليه أحدًا، وإن ذكرني جهرًا ذكرته بثواب أُطْلِع عليه الملأ الأعلى. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ذكرته بثواب إلخ" هو من جنس ما سبق