فإن أريد بالتأويل هذا، فالوقف على الجلالة؛ لأن حقائق الأمور، وكنهها لا
يعلمه على الجلية إلا الله -عز وجل-، ويكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مبتدأ،
و{يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} خبره.
وأما إن أريد بالتأويل: المعنى الآخر، وهو التفسير والبيان، والتعبير عن
الشيء، كقوله: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 36] أي: بتفسيره، فإن أريد به هذا
المعنى، فالوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}؛ لأنهم يعلمون، وَيفهَمون ما
خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كُنْه ما هي
عليه، وعلى هذا فيكون قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} حالًا منهم، وساغ هذا، وإن
كان من المعطوف دون المعطوف عليه، كقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] إلى قوله: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} الآية
[الحشر: 8 - 10]، وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 22]؛
أي: وجاء الملائكة صفوفًا صفوفًا. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما تقدّم عن أبي العباس
القرطبيّ ترجيحه هو الأرجح، فتأمّله بتأنِّ وإنصاف، والله تعالى أعلم.
(المسألة السادسة): قال أبو عبد الله القرطبيّ: قال شيخنا أبو
العبّاس - يعني: القرطبيّ، صاحب "المفهم"-:
متّبعو المتشابه لا يخلو أن يتّبعوه، ويجمعوه طلبًا للتشكيك في القرآن،
وإضلال العوام، كما فعلته الزنادقة، والقرامطة (?) الطاعنون في القرآن، أو طلبًا
لاعتقاد ظواهر المتشابه، كما فعلته المجسمة، الذين جمعوا ما في الكتاب
والسُّنَّة، مما ظاهره الجسمية، حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مُجَسم،
وصورة مصورة، ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وإصبع، تعالى الله عن