وقال السنديّ -رحمه الله-: قلت: وقد صرّح كثير من أهل التحقيق أن التوقّف
في مثله أحوط؛ إذ ليست المسألة مما يتعلّق بها عمل، ولا عليها إجماع، وهي
خارجة عن محلّ الإجماع على قواعد الأصول، إذ محلّ الإجماع هو ما يُدرك
بالاجتهاد، دون الأمور المغيّبة، فلا اعتداد بالإجماع في مثله لو تمّ على
قواعدهم، فالتوقّف أسلم، على أن الإجماع لو تمّ، وثبت لا يصحّ الجزم في
مخصوص؛ لأن إيمان الأبوين تحقيقًا غيب، وهو المناط عند الله تعالى، والله
تعالى أعلم. انتهى (?).
وقال القاري -رحمه الله-: والأصحّ ما تقدّم من أنه لم يرتض هذا القول منها؛
لِمَا فيه من الحكم بالغيب، والجزم بإيمان أصل الولد؛ لأنها أشارت إلى طفل
معيّن، فالحكم عِلى شخص معيّن بأنه من أهل الجنة لا يجوز من غير ورود
النصّ؛ لأنه من عِلم الغيب. وقد يقال: التبعيّة في الدنيا من الإيمان والكفر،
وحُكمها من أمور الآخرة.
ففيه إرشاد للأمة إلى التوقّف في الأمور المبهمة، والسكوت عما لا علم
لهم به، وحُسن الأدب بين يدي علام الغيوب.
وقال ابن حجر الهيتميّ الفقيه: ولعل هذا كان قبل ما نزل عليه في وِلدان
المؤمنين والكفّار؛ إذ هم في الجنة إجماعًا في الأول، وعلى الأصحّ في
الثاني. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن حجر الهيتميّ -رحمه الله- هو
الحقّ، كما تقدّم البحث فيه مستوفًى قريبًا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الصلاة على الصبيان:
قال الإمام ابن المنذر -رحمه الله-: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عُرفت
حياته، واستهلّ، صلّي عليه. واختلفوا في الصلاة على الطفل الذي لم يُعرف
له حياة، فروينا عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر أنهم قالوا: إذا استهلّ
المولود صُلي عليه. وبه قال النخعيّ، والحسن، وعطاء، والزهريّ. وقال