وقال في "المرعاة": "المقادير": جمع مقدار، وهو الشيء الذي يُعرف به
قَدْر الشيء، وكميته، كالمكيال، والميزان، وقد يُستعمل بمعنى القدر نفسه،
وهو الكمية، والكيفية؛ أي: أمر الله تعالى القلم أن يُثبت في اللوح المحفوظ
ما سيوجد من الخلائق، ذاتاً، وصفة، وفعلاً، وخيراً، وشراً، على ما تعلقت
به إرادته الأزلية. قال النوويّ: قال العلماء: المراد تحديد وقت الكتابة في
اللوح المحفوظ، أو غيره، لا أصل التقدير، فإن ذلك أزليّ، لا أول له،
انتهى (?).
(قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ ألفَ سَنَةٍ") قال في "الفتح":
هذا محمول على كتابة ذلك في اللوح المحفوظ، على وفق ما في علم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
انتهى (?).
وقال المناويّ: "بخمسين ألف سنة" معناه طول الأمد، وتكثير ما بين
الخلق والتقدير من الْمُدَد، لا التحديد؛ إذ لم يكن قبل السموات والأرض سنة
ولا شهر، فلا تدافع بينه وبين خبر الألفين.
وقال البيضاويّ: أو تقديره ببرهة من الدهر الذي يوم فيه كألف سنة مما
تعدُّون، أو من الزمان نفسه. انتهى (?).
قط ل الجامع عفا الله عنه: ما قاله البيضاويّ هو الحقّ، وأما قول
المناويّ: معناه طول المدّة لا التحديد فليس بشييء، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "كتب الله مقادير الخلائق إلخ"؛ أي: أثبتها
في اللوح المحفوظ، أو فيما شاء، فهو توقيت للكَتْب، لا للمقادير؛ لأنَّها
راجعة إلى علم الله تعالى، وإرادته، وذلك قديم، لا أول له، ويستحيل عليه
تقديره بالزمان؛ إذ الحقّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بصفاته موجود، ولا زمان، ولا مكان، وهذه
الخمسون ألف سنة سنون تقديرية؛ إذ قبل خلق السموات لا يتحقق وجود
الزمان؛ فإنَّ الزمان الذى يعبّر عنه بالسنين، والأيام، والليالي إنما هو راجع
إلى أعداد حركات الأفلاك، وسَيْر الشمس، والقمر في المنازل، والبروج