السابق، ومن هنا كان يشتدّ خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان

يقلق من ذكر السوابق، وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون:

بماذا يُختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟ .

وبكى بعض الصحابة عند موته، فسئل عن ذلك، فقال: سمعت

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله تعالى قبض خَلْقه قبضتين، فقال: هؤلاء في

الجنة، وهؤلاء في النار، ولا أدري في أي القبضتين كنت".

قال بعض السلف: ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق.

وقال سفيان لبعض الصالحين: هل أبكاك قطّ علم الله فيك؟ فقال له

ذلك الرجل: تركني لا أفرح أبدًا، وكان سفيان يشتدّ قلقه من السوابق

والخواتيم، فكان يبكي، وبقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًّا، ويبكي،

ويقول: أخاف أن أُسلب الإيمان عند الموت.

وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته، ويقول: يا رب قد

علمتَ ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك؟ .

وقال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار، فهو مغترّ، فلا

يأمن الشقاء:

الأول: خَطَر يوم الميثاق، حين قال: هؤلاء في الجنة، ولا أبالي،

وهؤلاء في النار، ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان.

والثاني: حين خُلق في ظلمات ثلاث، فنادى الملَك بالشقاوة والسعادة،

ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء؟ .

والثالث: ذِكر هول المطلع، فلا يدري أيبشَّر برضا الله أم بسخطه؟ .

والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري أيّ الطريقين يُسلك به؟ .

وقال سهل التستريّ: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصى، والعارف يخاف

أن يبتلى بالكفر.

ومن هنا كان الصحابة ومَن بعدهم مِن السلف الصالح يخافون على

أنفسهم النفاق، ويشتدّ قلقهم، وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق

الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة، فيخرجه إلى النفاق الأكبر،

كما تقدم أن دسائس السوء الخفيّة توجب سوء الخاتمة. وقد كان النبىّ -صلى الله عليه وسلم-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015