ويؤيد الرفع أيضًا أنه مما لا مجال للرأي فيه، فيكون له حُكم الرفع.
[تنبيه]: قد اشتَمَلت جملة قوله: "فوالذي نفسي بيده إلخ" على أنواع من
التأكيد بالقَسَم، ووَصْف المقسَم به، وبـ "أنّ"، وباللام، والأصل في التأكيد أنه
يكون لمخاطبة المنكِر، أو المستبعِد، أو من يتوهم فيه شيء من ذلك، وهنا
لمّا كان الحكم مستبعَدًا، وهو دخول مَن عمل الطاعة طول عمره النار،
وبالعكس حَسُن المبالغة في تأكيد الخبر بذلك، والله أعلم (?).
وقوله: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ) وفي رواية البخاريّ: "فوالله إن أحدكم- أو
الرجل- ليعمل"، قال في "الفتح": وقع في رواية آدم: "فإن أحدكم " بغير
شكّ، وقدَّم ذِكر الجنة على النار، وكذا وقع للأكثر، وهو كذا عند مسلم،
وأبي داود، والترمذيّ، وابن ما جه، وفي رواية حفص: "فإن الرجل"، وأخّر
ذِكر النار، وعَكَس أبو الأحوص، ولفظه: "فإن الرجل منكم".
وقوله: (بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) الباء زائدة، والأصل: يعمل عَمَلَ أهل الجنّة؛
لأن قوله: "عَمَلَ" إما مفعول مطلق، هاما مفعول به، وكلاهما مستغنٍ عن
الحرف، فكانت زيادة الباء للتأكيد، أو ضمّن "يعمل" معنى: يتلبس في عمله
بعمل أهل الجنّة، وظاهره: أنه يعمل بذلك حقيقةً، ويُختم له بعكسه، وفي
حديث سهل بلفظ: "ليعمل بعمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس" وهو محمول
على المنافق، والمرائي، بخلاف حديث الباب، فإنه يتعلق بسوء الخاتمة.
وقوله: "بعمل أهل الجنة"؛ يعني: من الطاعات الاعتقادية، والقولية،
والفعلية، ثم يَحْتَمِل أن الحفظة تكتب ذلك، ويُقبل بعضها، ويُرَدّ بعضها،
وَيحْتَمِل أن تقع الكتابة، ثم تمحى، وأما القبول فيتوقف على الخاتمة.
(حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) قال الطيبيّ رحمه الله: "حتى" هنا هي الناصبة،
و"ما" نافية، ولم تَكُفّ "يكون" عن العمل فهي منصوبة بـ "حتى"، وأجاز غيره
أن تكون "حتى" ابتدائية، فـ "يكون" على هذا بالرفع، وهو مستقيم أيضًا.
(إِلَّا ذِرَاعٌ) هكذا في هذه الرواية بغير شكّ، ووقع في رواية للبخاريّ:
"غير ذراع، أو باع"، قال في "الفتح": والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من