ووقع في حديث حُذيفة بن أَسيد الآتي عند مسلم ما ظاهره يخالف

حديث ابن مسعود، ولفظه: "إذا مَرّ بالنطفة ثلاث وأربعون"، وفي نسخة:

"ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملَكًا فصوَّرها، وخلق سمعها وبصرها

وجلدها ولحمها وعظمها، ثم قال: أيْ رب أذَكَر أم أنثى؟ فيَقضِي ربك ما

شاء، وَيكتُب الملك، ثم يقول: يا رب أجله. . ." الحديث، هذه رواية

عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن حُذيفة بن أَسِيد في

مسلم، ونسبها عياض في ثلاثة مواضع من شرح هذا الحديث إلى رواية ابن

مسعود، وهو وَهَمٌ، وإنما لابن مسعود في أول الرواية ذِكْرُ قوله: "الشقيُّ من

شَقِيَ في بطن أمه، والسعيدُ من وُعِظ بغيره"، فقط، وبقية الحديث إنما هو

لحذيفة بن أَسيد، وقد أخرجه جعفر الفريابي من طريق يوسف المكيّ، عن أبي

الطُّفيل عنه بلفظ: "إذا وقعت النطفة في الرحم، ثم استقرت أربعين ليلةً، قال:

فيجيء ملَك الرحم فيدخل، فيصوِّر له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه

وبصره، ثم يقول: أيْ رب أذَكَر أو أنثى؟ . . ." الحديث.

قال القاضي عياض: وحَمْل هذا على ظاهره لا يصح؛ لأن التصوير بأثر

النطفة وأوّلِ العَلَقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود، وإنما يقع

التصوير في آخر الأربعين الثالثة، كما قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} الآية [المؤمنون: 14]، قال: فيكون معنى قوله: "فصوّرها إلخ"؛ أي: كتب ذلك، ثم يفعله بعد

ذلك، بدليل قوله بعدُ: "أذكر أو أنثى؟ "، قال: وخَلْقه جميعَ الأعضاء،

والذكوريةُ والأنثوية، يقع في وقت متفق، وهو مُشَاهَد فيما يوجد من أجنة

الحيوان، وهو الذي تقتضيه الخلقة، واستواء الصورة، ثم يكون للملك فيه

تصوّر آخر، وهو وقت نَفْخ الروح فيه، حين يكمل له أربعة أشهر، كما اتفق

عليه العلماء أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة اشهر. انتهى ملخصًا.

وقد بسطه ابن الصلاح في "فتاويه"، فقال ما مُلَخَّصه: أعرض البخاري

عن حديث حُذيفة بن أَسِيد إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه، وإما لكونه لم

يره ملتئمًا مع حديث ابن مسعود، وحديثُ ابن مسعود لا شك في صحته، وأما

مسلم فأخرجهما معًا، فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما، بأن يُحمَل إرسال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015