وقد نقل الفاضل عليّ بن المهذب الحمويّ الطبيب اتفاق الأطباء على أن
خَلْق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين، وفيها تتميز أعضاء الذَّكر دون
الأنثى؛ لحرارة مزاجه، وقواه، وأعيد إلى قوام المني الذي تتكون أعضاؤه
منه، ونضجه، فيكون أقبل للشكل والتصوير، ثم يكون علقة مثل ذلك، والعلقة
قطعة دم جامد، قالوا: وتكون حركة الجنين في ضُعف المدة التي يُخلق فيها،
ثم يكون مضغة مثل ذلك؛ أي: لحمة صغيرة، وهي الأربعون الثالثة، فتتحرك.
قال: واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر.
وذكر الشيخ شمس الدين ابن القيّم أن داخل الرحم خَشِنٌ كالسفنج،
وجعل فيه قبولًا للمنيّ، كطلب الأرض العطشى للماء، فجعله طالبًا مشتاقًا إليه
بالطبع، فلذلك يمسكه، ويشتمل عليه، ولا يُزلقه، بل ينضم عليه؛ لئلا يفسده
الهواء، فيأذن الله لملَك الرحم في عَقْده، وطبخه أربعين يومًا، وفي تلك
الأربعين يُجمع خلقه، قالوا: إن المنيّ إذا اشتمل عليه الرحم، ولم يقذفه
استدار على نفسه، واشتدّ إلى تمام ستة أيام، فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع
القلب، والدماغ، والكبد، ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط خمسة إلى تمام
ثلاثة أيام، ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر، فتتميز الأعضاء الثلاثة،
ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يومًا، ثم ينفصل الرأس عن
المنكبين، والأطراف عن الضلوع، والبطن عن الجنين في تسعة أيام، ثم يتم
هذا التمييز بحيث يظهر للحسّ في أربعة أيام، فيكمل أربعين يومًا، فهذا معنى
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُجمع خلقه في أربعين يومًا"، وفيه تفصيلُ ما أُجمل فيه.
ولا ينافي ذلك قوله: "ثم تكون علقة مثل ذلك" فإن العلقة، وإن كانت
قطعة دم، لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المنيّ، ويظهر
التخطيط فيها ظهورًا خفيًّا على التدريج، ثم يتصلب في الأربعين يومًا بتزايد
ذلك التخليق شيئًا فشيئًا، حتى يصير مضغة مخلقةً، ويظهر للحسّ ظهورًا لا
خفاء به، وعند تمام الأربعين الثالثة، والطعن في الأربعين الرابعة، ينفخ فيه
الروح، كما وقع في هذا الحديث الصحيح، وهو ما لا سبيل إلى معرفته إلا
بالوحي، حتى قال كثير من فضلاء الأطباء، وحذّاق الفلاسفة: إنما يُعرف ذلك
بالتوهم والظن البعيد، واختلفوا في النقطة الأُولى أيها أسبق، والأكثر: نُقَط