النبي - صلى الله عليه وسلم - في القدر، فنزلت". قال: ومذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها
بتقدير الله تعالى، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر: 21]. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): قسّم شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله القدريّة ثلاثة أقسام:
(القسم الأول: القدريّة المشركة): وهم الذين اعترفوا بالقضاء والقدر،
وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي، وقالوا: لَؤ شَد ًالتَهُ {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنعام: 148]، {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} الآية [النحل: 35]، {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} الآية [الزخرف: 20].
فهؤلاء يَؤُول أمرهم إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، مع الاعتراف
بالربوبيّة العامّة لكل مخلوق، وأنه ما من دابّة إلا ربي آخذ بناصيتها، وهو الذي
يُبتَلَى به كثيرًا، إما اعتقادًا، وإما حالًا طوائفُ من الصوفيّة والفقراء حتى يخرج
من يخرج منهم إلى الإباحة للمحرّمات، وإسقاط الواجبات، ورفع العقوبات،
وإن كان ذلك لا يستتبّ لهم، وإنما يفعلونه عند موافقة أهوائهم، كفِعل
المشركين من العرب، ثم إذا خولف هوى أحد منهم قام في دَفْع ذلك متعدّيًا
للحدود، غير واقف عند حدّ، كما كان يفعل المشركون أيضًا؛ إذ هذه الطريقة
تتناقض عند تعارض إرادات البشر، فهذا يريد أمرًا، والآخر يريد ضدّه، وكلّ
من الإرادتين مقدّرة، فلا بدّ من ترجيح إحداهما أو غيرهما، أو كلّ منهما من
وجه، وإلا لزم الفساد.
وقد يغلو أصحاب هذا الطريق حتى يجعلوا عين الموجودات هي الله،
ويتمسّكون بموافقة الإرادة القدرية في السيئات الواقعة منهم ومن غيرهم، كقول
الحريريّ: أنا كافر برب يُعصى، وقول بعض أصحابه لمّا دعاه مكّاس، فقيل
له: هو مكّاس، فقال: إن كان قد عصى الأمر فقد أطاع الإرادة، وكقول ابن
إسرائيل:
أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا يَخْتَارهُ ... مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَةُ