وإن محمدًا يَعْلَم ما في غد"، وهو عند مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن داود، وسياقه أتمّ، ولكن قال فيه: "ومَن زَعَم أنه يُخبر بما يكون في غد"، هكذا بالضمير، كما في رواية إسماعيل معطوفًا على مَن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَتَم شيئًا.
قال: وما ادعاه من النفي مُتَعَقَّب، فإن بعض مَن لَمْ يَرْسَخ في الإيمان، كان يظنّ ذلك، حتى كان يَرَى أن صحة النبوة تستلزم اطّلاع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على جميع المغيبات، كما وقع في المغازي لابن إسحاق أن ناقة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ضَلَّت، فقال زيد بن اللَّصِيت - بصاد مهملة، وآخره مثناة، وِزن عَظِيم -: يزعم محمد أنه نبيّ، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن رجلًا يقول: كذا وكذا، وإني والله لا أعلم إلَّا ما علمني الله، وقد دلَّني الله عليها، وهي في شعب كذا، قد حبستها شجرة" فذهبوا، فجاؤوه بها، فأعلم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يعلم من الغيب إلَّا ما علّمه الله، وهو مطابق لقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] الآية. انتهى (?).
(وَاللهُ يَقُولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، يقول الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - آمرًا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول معلِّمًا لجميع الخلق: إنه لا يعلم أحدٌ من أهل السماوات والأرض من الملائكة والإنس والجنّ وغيرهم الغيب إلَّا الله - عَزَّ وَجَلَّ -، فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له (?).
فـ {مَنْ} فاعل {يَعْلَمُ}، والظرف صلتها، و {الْغَيْبَ} ومفعول به، {اللَّهُ} بدل من {مَنْ}، أو {اللَّهُ} مبتدأ وخبره محذوف، والاستثناء منقطع (?)، أي: لكن الله يعلمه، والمعنى: أنه لا يعلم أحد الغيب إلَّا الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفق عليه.