الصالح، ومصاحبته، وإياك ومودة السَّوْء، ومرافقته، قيل: فيه إرشاد إلى الرغبة
في صحبة الصلحاء، والعلماء، ومجالستهم، فإنها تنفع في الدنيا والآخرة،
وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار، والفساق، فإنها تضرّ ديناً ودنيا، قيل:
مصاحبة الأخيار تورث الخير، ومصاحبة الأشرار تورث الشرّ، كالريح إذا هبّت
على الطيب عَبَقت طيباً، وإن مرت على النتن حملت نتناً، وقيل: إذا جالست
الحمقى عَلِق بك من حماقتهم ما لا يَعْلَق بك من العقل، إذا جالست العقلاء؛
لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد اقتحاماً في الطبائع.
والحاصل: أن الصحبة تؤثّر، ولذا قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119]، وقال بعض العارفين: كونوا مع الله،
فإن لم تقدروا أن تكونوا مع الله، فكونوا مع من يكون مع الله. انتهى (?).
ولله درّ من قال [من الرجز]:
وَصُحْبَةُ الأَخْيَارِ لِلْقَلْبِ دَوَا ... يَزِيدُ فِي الْقَلْبِ نَشَاطاً وَقُوَى
وَصُحْبَةُ الأَشْرَارِ لِلْقَلْبِ عَمَى ... يَزِيدُ فِي الْقَلْبِ السَّقِيمِ سَقَمَا
ومن قال [من الطويل]:
عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ... فَكُلُّ قَرِيني بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي
فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً ... وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي
إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ ... وَلَا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي (?)
ومن قال [من الكامل]:
لَا تَصْحَبِ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ ... كَمْ صَالِع بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ
عَدْوَى الْبَلِيدِ إِلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ ... كَالْجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَتَخْمُدُ (?)
والله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ
وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.