2 - (ومنها): أنه يُستفاد من الحديث جواز العقوبة في المال لمن جنى
فيه بما يناسب ذلك، قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ - (?).
3 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهَ -: إنما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لهذه المرأة زجرًا
لها، ولغيرها، وكان قد سَبَق نهيها، ونهيُ غيرها عن اللعن، فعوقبت بإرسال
الناقة، والمراد: النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق، وأما بيعها،
وذَبْحها، وركوبها في غير مصاحبته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وغير ذلك من التصرفات التي كانت
جائزة قبل هذا، فهي باقية على الجواز؛ لأنَّ الشرع إنما ورد بالنهي عن
المصاحبة، فبقي الباقي كما كان. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ -: حَمَل بعض الناس قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فإنها ملعونة" على
ظاهره، فقال: أطلع الله تعالى نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أنَّ هذه الناقة قد لَعَنها الله تعالي،
وقد استُجيب لصاحبتها فيها، فإن أراد هذا القائل أن الله تعالى لعن هذه الناقة
كما يلعن من استحقّ اللعنة من المكلّفين كان ذلك باطلًا؛ إذ الناقة ليست
بمكلّفة، وأيضًا فإنَّ الناقة لَمْ يصدُر منها ما يوجب لَعْنها، وإن أراد أن هذه
اللعنة إنما هي عبارة عن إبعاد هذه الناقة عن مالكتها، وعن استخدامها إياها،
فتلك اللعنة إنما ترجع لصاحبتها؛ إذ قد حيل بينها وبين مالها، ومُنعت الانتفاع
بها، لا للناقة؛ لأنَّها قد استراحت من ثِقَل الحَمْل، وكَدّ السير.
فإنْ قيل: فلعلَّ معنى لعنة الله الناقة: أن تُترك، وأن لا يتعرّض لها أحد.
فالجواب: أن معنى تَرْك الناس لها إنما هو أنهم لَمْ يؤووها إلى رحالهم،
ولا استعملوها في حَمْل أثقالهم، فأمَّا أن يتركوها في غير مَرْعَي، ومن غير
عَلَف حتى تَهْلِك، فليس في الحديث ما يدلّ عليه.
ثم هو مخالف لقاعدة الشرع في الأمر بالرفق بالبهائم، والنهي عن
تعذيبها، وإنما كان هذا منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تأديبًا لصاحبتها، وعقوبةً لها فيما دَعَت عليها
بما دَعَت به. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ - (?).
قال الجامع عفا الله عنه: وممن ذهب إلى أن سبب قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وَدَعُوها،