عائشة أوردت هذه المقالة مورد التنقيص، فلو كان الأمر كما قيل لنَصَّت على
البياض؛ لأنه كان يكون أبلغ في مرادها، قال: والذي عندي أن المراد بذلك:
نِسبتها إلى كِبَر السنّ؛ لأن من دخل في سن الشيخوخة مع قوة في بدنه يغلب
على لونه غالبًا الحمرة المائلة إلى السمرة.
قال الحافظ: كذا قال، والذي يتبادر أن المراد بالشدقين: ما في باطن
الفم، فكَنَت بذلك عن سقوط أسنانها حتى لا يبقى داخل فمها إلا اللحم
الأحمر من اللِّثَةِ وغيرها، وبهذا جزم النوويّ وغيره. انتهى (?).
(هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، فَأَبْدَلَكَ) ولفظ البخاريّ: "قد أبدلك" (اللهُ خَيْرًا
مِنْهَا؟ ") " قال القرطبيّ رحمه الله: تعني بـ"خيرًا": أجمل، وأشبّ- وتعني: نفسها-،
لا أنها خير منها عند الله، وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لِمَا تقدَّم من الأحاديث التي
ذكرناها في صدر الكلام، وكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت، يدلّ
على عظيم قَدْرها عنده، ومحبته لها، وعلى فضل خديجة أيضًا؛ لأنها اختصَّت
برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يشاركها فيه أحد؛ صيانة لقلبها من التَّغيير والغَيْرة، ومن
مناكدة الضرة. انتهى (?).
وقال ابن التين رحمه الله: في سكوت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على هذه المقالة دليل على
أفضلية عائشة على خديجة -رضي الله عنها-، إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا: حُسْن
الصورة، وصِغَر السنّ. انتهى.
وتعقّبه الحافظ، فقال: ولا يلزم من كونه لم يُنقل في هذه الطريق أنه -صلى الله عليه وسلم-
ردّ عليها عدم ذلك، بل الواقع أنه صدر منه ردّ لهذه المقالة، ففي رواية ابن
أبي نجيح، عن عائشة، عند أحمد، والطبرانيّ في هذه القصة: "قالت عائشة:
فقلت: أبدلك الله بكبيرة السنّ حديثة السنّ، فغضب، حتى قلت: والذي بعثك
بالحقّ لا أذكرها بعد هذا إلا بخير".
وهذا يؤيد ما تأوله ابن التين في الخيرية المذكورة، والحديث يفسِّر بعضه
بعضًا.