فَوَاللَّهِ لَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ ... أَغَالَكَ بَعْدِي السَّهْلُ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرَ أَوْبَةٌ ... فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ (?)
تُذَكِّرِنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ... وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إِذَا غَرْبُهَا أَفَلْ
وَإِنْ هَبَّتِ الأَرْيَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ ... فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ
سَأَعْمَلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الأَرْضِ جَاهِدًا ... وَلَا أَسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الإِبِلْ
حَيَاتِيَ أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي ... فَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الأَمَلْ (?)
ويقول فيها أيضًا:
أُوَصِّي بِهِ عَمْرًا وَقَيْسًا كِلَاهُمَا ... وَأُوصِي يَزِيدَ ثُمَّ بَعْدَهُمُ جَبَلْ
يعني: بعمرو وقيس: أخويه، وبيزيد: أخا زيد لأمه، وهو يزيد بن
كعب بن شراحيل، وبجبل: وَلَده الأكبر، قال: فحجّ ناس من كلب، فرأوا
زيدًا، فعرفهم، وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات [من الطويل]:
أَحِنُّ إِلَي قَوْمِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِيًا ... بِأَنِّي قَطِينُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ
في أبيات، فانطلقوا، فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعًا، فخرج حارثة
وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة، فسألا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقيل: هو في المسجد،
فدخلا عليه، فقالا: يا ابن عبد المطلب يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله،
تُفكّون العاني، وتُطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا، وأحسن
في فدائه، فإنا سنرفع لك، قال: "وما ذاك؟ " قالوا: زيد بن حارثة، فقال: "أو
غير ذلك؟ ادعوه، فخيِّروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني
فوالله، ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء"، قالوا: زدتنا على النصف،
فدعاه، فقال: "هل تعرف هؤلاء؟ " قال: نعم، هذا أبي، وهذا عمي، قال:
"فأنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي لك، فاخترني، أو اخترهما"، فقال
زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا:
ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك، وأهل بيتك؟
قال: نعم إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا، ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا،