شرح الحديث:

(عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة (عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها -، وقوله: (وَعَنْ

ثَابِتٍ)؛ أي: ابن أسلم الْبُنانيّ، عطف على قوله: "عن هشام بن عروة"،

فحمّاد بن سلمة له إسنادان: هشام عن أبيه، عن عائشة، وثابت، عن أنس،

والثاني أعلى من الأول. (عَنْ أَنَسِ) بن مالك - رضي الله عنه - (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَوْمِ) من

الأنصار (يُلَقِّحُونَ)؛ أي: يأبّرون النخل، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ") فيه

ثلاث لغات، صَلَحَ صُلُوحاً، من باب قَعَد، وصلاحاً، وصَلُحَ بالضمّ ككَرُم،

وصلَحَ يصلح بالفتح فيهما: خلاف فسد، والمعنى هنا: أنه يثمر ثمراً طيّباً دون

تلقيح. (قَالَ) أنس - رضي الله عنه - (فَخَرَجَ) الثمر (شِيصاً) بكسر الشين المعجمة، وإسكان

الياء المثناة تحتُ، وبصاد مهملة، وهو البسر الرديء الذي إذا يَبِس صار

حَشَفاً، وقيل: أردأ البسر، وقيل: تمر رديْ، وهو متقارب، قا له

النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (?).

(فَمَرَّ) - صلى الله عليه وسلم - (بِهِمْ)؛ أي: بهؤلاء القوم الذين تركوا التلقيح عملاً بإشارته - صلى الله عليه وسلم -

بذلك، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("مَا) استفهاميّة؛ أي: أيُّ شيء ثبت (لِنَخْلِكُمْ؟ ") حيث خرج

ثمره شيصاً، ولم يخرج ثمراً طيّباً، (قَالُوا: قُلْتَ: كَذَا وَكَذَا) إشارة إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -

السابق: "لو لم تفعلوا لصلح"، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ")؛ أى:

بالأمور التي وَكَلَها الشرع إلى التجربة، ولم يأت فيها بأمر، أو نهي جازم (?).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ- ما حاصله: يعني: أنتم أعلم بأمر دنياكم مني، وأنا

أعلم بأمر أخراكم منكم، فإن الأنبياء والرسل إنما بُعثوا لإنقاذ الخلائق من

الشقاوة الأخروية، وفوزهم بالسعادة الأبدية، وفيه أنشدوا [من البسيط]:

إَنَّ الرَّسُولَ لِسَانُ الْحَقِّ لِلْبَشَرِ ... بِالأَمْرِ وَالنَّهْي وَالإِعْلَامِ وَالْخَبَرِ

هُمْ أَذْكِيَاءُ وَلَكِنْ لَا يُصَرِّفُهُمْ ... ذَاكَ الذَّكَاءُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ

أَلَا تَرَاهُمْ لِتَأْبِيرِ النَّخِيلِ وَمَا ... قَدْ كَانَ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ ضَرَرِ

هُمْ سَالِمُونَ مِنَ الأَفْكَارِ إِنْ شَرَعُوا ... حُكْماً بِحِلٍّ وَتَحْرِيمٍ عَلَى الْبَشَرِ

قال بعضهم: فبيّن بهذا أن الأنبياء، وإن كانوا أحذق الناس في أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015