والباقون ذُكروا قبله.
وقوله: (عَلَى قَدَمَيَّ) قال الطيبيّ رَحِمَهُ اللهُ؛ أي: على أثري، والظاهر على
قدميه؛ اعتبارًا للموصول، إلا أنه اعتَبَر المعنى المدلول بلفظة "أنا". انتهى (?).
وقال الأبيّ رَحِمَهُ اللهُ: فاما رواية: "على عقبي"؛ فمعناها: على أثري؛ أي:
لا نبيّ بعدي، وأما رواية: "على قدمي"؛ فمعناها: على سابقتي، كما قال
تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية [يونس: 2]؛ أي: سابقة خير،
وإكرام، وترجع إلى ما فُسّرت به الأُولى؛ أي: لا نبيّ بعدي، وقيل: يعني:
على سُنَّتي، وقيل: يُحشرون بمشاهدتي، من قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا} لآية [البقرة: 143]، وقيل: يعني: على أمامي، وقُدّامي؛ كأنهم
يجتمعون إليه، ويكونون أما مه، وخلفه، وحوله. انتهى (?).
وقوله: (وَأَنَا الْعَاقِبُ ... إلخ) العاقب: آخر الرسل عليه السلام؛ أي: أُرسل
عقبهم، قال ابن الأعرابيّ: العاقب، والعاقوب: الذي يَخلُف من كان قبله في
الخير، ومنه: عَقِب الرجل: لِوَلَده بعده. انتهى (?).
وقوله: (وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رَؤُوفًا، رَحِيمًا) تقدّم أنه مُدْرَج من قول الزهريّ،
وهو إشارة إلى قوله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128]. وقال
القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "وقد سَمَّاه الله رؤوفًا رحيمًا" ليس هذا من قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-،
بل من قول غيره، وهو الصحابيّ، والله تعالى أعلم، ألا تراه كيف أخبر عنه
بخطاب الغيبة، ولو كان من قوله -صلى الله عليه وسلم- لقال: وقد سمّاني الله: رؤوفًا رحيمًا،
هذا الظاهر، وَيحْتَمِل أن يكون ذلك من قوله، وقد يَخْرُج المتكلم من الحضور
إلى الغَيبة، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}
الآية [يونس: 22]، وفي هذا إشارة إلى قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
[التوبة: 128]، والرؤوف: الكثير الرأفة، والرحيم: الكثير الرحمة؛ فإنَّهما
للمبالغة.