وقوله: (هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ) كرّره للتأكيد، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-:
"هَلُمَّ" كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، كما يقال: تعال، قال الخليل: أصله
لُمَّ، من الضم، والجمع، ومنه: لَمّ اللهُ شَعَثَهُ، وكأن المنادي أراد: لُمَّ نفسك
إلينا، و"هَا" للتّنبيه، وحُذفت الألف؛ تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وجُعِلا اسْماً
واحداً، وقيل: أصلها هَلْ أُمَّ؛ أي: قُصِد، فنُقِلت حركة الهمزة إلى اللام،
وسقطت، ثم جُعِلا كلمة واحدة للدعاء، وأهل الحجاز يُنادون بها بلفظ واحد
للمذكر والمؤنث، والمفرد، والجمع، وعليه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]، وفي لغة نجد تلحقها الضمائر، وتُطَابَقُ، فيقال:
هَلُمِّي، وهَلُمَّا، وهَلُمُّوا، وهَلْمُمْنَ؛ لأنهم يجعلونها فعلاً، فيُلحقونها
الضمائر، كما يُلحقونها قُمْ، وقُوما، وقُوموا، وقُمْن، وقال أبو زيد:
استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عُقيل، وعليه قيسٌ بعدُ، وإلحاق
الضمائر من لغة بني تميم، وعليه أكثر العرب، وتُستعمل لازمةً، نحو: {هَلُمَّ إِلَيْنَا}؛ أي: أقبل، ومتعدية، نحو: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}؛ أي: أَحْضِروهم.
انتهى (?).
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ومحلّ "هلمّ " نصبٌ على الحال من فاعل "آخذ"؛
أي: آخذ بحُجَزكم قائلاً: هلُمّ. انتهى (?).
وقوله: (فَتَغْلِبُونِي) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: بالنون المشدّدة؛ لأن أصله:
فتغلبونني، فأُدغمت إحدى النونين في الآخرى، والفاء فيه سببيّة على المعكيس؛
كالكلام في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، وتقديره: أنا آخذ بحُجَزكم لأخلّصكم عن النار، فعكستم،
وجعلتم الغلبة مسبّبةً عن الأخذ، وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المَثَل بوقوع الفرالش
إلى النار لجهله بما يُعْقِبه التقحّم فيها من الاحتراق والهلاك، ولتحقير شأنها.
انتهى (?)، والله تعالى أعلم.