من أمته، ومن عصاه بمن كذّب الرجل في إنذاره وصَدَّقه، وفي قول الرجل:
"أنا النذير ... إلخ" أنواع من التأكيد، أحدها: "بعيني"؛ لأن الرؤية لا يكون
إلا بها، وثانيها: قوله: "وأنا"، وثالثها: قوله: "العريان"، فإنه دالّ على بلوغ
النهاية في قرب العدوّ، وفي ذلك تنبيه على أنه الذي يختصّ في إنذاره بالصدف
الذي لا شبهة فيه، وهو الذي يحرص جدّاً على خلاص قومه من الهلاك، قال
في القرينة الأولى: "فأطاعني"، وقابله في الثانية: "بكذّب"؛ ليؤذن بأن الطاعة
مسبوقة بالتصديق، وُيشعر أن التكذيب مستتبع للعصيان؛ كأنه جَمَع في كل من
الفقرتين بين المعنَيَيْن، وإلى المعنيين أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أطاعني" إلى آخره،
وأتبع قوله: "فاجتاحهم" قوله: "وأهلكهم"؛ إعلاماً بأنه أهلكهم عن آخرهم،
فلم يَبْقَ منهم أحدٌ، قال التوربشتيّ: ذِكْر المَعْنيَيْن إرشاد إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - تحقّق عنده
جميع ما أخبر عنه تحقُّق من رأى شيئاً بعينه، لا يعتريه وهمٌ، ولا يخالطه
شكّ. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (?)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّل الكتاب قال:
[5940] (2284) - (وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَاراً، فَجَعَلَتِ
الدَّوَاب وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ (?) ").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 - (قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ) بن جَمِيل بن طَرِيف الثَّقَفيّ، أبو رجاء الْبَغْلانيّ،
يقال: اسمه يحيى، وقيل: عليّ، ثقةٌ ثبتٌ [10] (ت 240) عن تسعين سنةً (ع)
تقدم في "المقدمة" 6/ 50.
2 - (الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ) هو: المغيرة بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن خالد بن حزام -بحاء مهملة، وزاي- الحزاميّ المدني، لقبه قُصَيّ، ثقةٌ،