الحديث، ذكره في "الفتح" (?).
(أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ)، أي: على الصحابة - رضي الله عنهم - (بِوَجْهِهِ) الشريف، (فَقَالَ: "هَلْ
رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا؟ ") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هكذا هو في جميع نُسخ
مسلم"البارحة"، وفيه دليل لجواز إطلاق البارحة على الليلة الماضية، وإن كان
قبل الزوال، وقول ثعلب وغيره: إنه لا يقال: البارحة إلا بعد الزوال يَحْتَمِل
أنهم أرادوا أن هذا حقيقته، ولا يمتنع إطلاقه قبل الزوال مجازاً، ويَحْمِلون
الحديث على المجاز، وإلا فمذهبهم باطل بهذا الحديث. انتهى (?).
وقال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: بَرِحَ الشيءُ يَبْرَح، من باب تَعِبَ بَرَاحاً: زال من
مكانه، ومنه قيل لليلة الماضية: البَارِحَةَ، والعرب تقول قبل الزوال: فعلنا
الليلةَ كذا؛ لِقُربها من وقت الكلام، وتقول بعد الزوال: فعلنا البَارِحَةَ.
انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "البارحة"؛ يعني به: الليلة البارحة؛ أي:
الذاهبة، اسم فاعل من بَرَحَ الشيءُ: إذا ذهب. ومنه قولهم: برح الخفاء؛ أي:
ذهب، وإذا دخل حرف النفي على برح صار من أخوات "كان" التي ترفع
الاسم، وتنصب الخبر، ووقع هذا اللفظ في غير كتاب مسلم: "هل رأى أحد
منكم الليلة رؤيا" بدل "البارحة"، واستَدَلَّ به بعض الناس على أن ما بعد طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس هو من الليل، وليس بصحيح؛ لأنَّه: إنما أشار للَّيلة
البارحة، لا للساعة الحاضرة، بدليل هذه الرواية الصحيحة التي قال فيها:
"البارحة"، ومعناها: الماضية بالاتفاق، فكأنه قال: الليلة الماضية، أو
المنصرمة، ولمّا كانت قريبة الانصرام أشار إليها، ولمّا كان هذا معلوماً اكتفي
بذكر الليلة عن صفتها، ولمّا كانت "البارحة" صفة معلومة لليلة استعملها غير
تابعة استعمالَ الأسماء، وكان الأصل الجمع بين التابع والمتبوع، فيقال: الليلة
البارحة، لكن جاز ذلك، لِمَا ذكرناه. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.