وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخذوا منه
جائزته، وأنه قال لهم: إنه ليس بشرّكم، وأن مسيلمة لمّا ادَّعَى أنه أُشرك في
النبوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتج بهذه المقالة، وهذا مع شذوذه ضعيف السند؛
لانقطاعه، وأمْر مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك، فقد كان يقال له: رحمان
اليمامة؛ لِعِظَم قَدْره فيهم، وكيف يلتئم هذا الخبر الضعيف، مع قوله في هذا
الحديث الصحيح: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اجتَمَع به، وخاطبه، وصرح له بحضرة قومه
أنه لو سأله القطعة الجريدة ما أعطاه؟
ويَحْتَمِل أن يكون مسيلمة قَدِم مرتين (?): الأولى كان تابعاً، وكان رئيس
بني حنيفة غيره، ولهذا أقام في حفظ رحالهم، ومرةً متبوعاً، وفيها خاطبه
النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو القصة واحدة، وكانت إقامته في رحالهم باختياره؛ أَنَفَةً منه،
واستكباراً أن يحضر مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعامله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معاملة الكَرَم على
عادته في الاستئلاف، فقال لقومه: "إنه ليس بشرّكم"؛ أي: بمكان؛ لكونه كان
يحفظ رحالهم، وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل، فلما لم يُفِد في
مسيلمة توجَّه بنفسه إليهم؛ ليقيم عليهم الحجة، وَيعْذِر إليه بالإنذار، والعلم
عند الله تعالى (?).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: مسيلمة هذا هو: ابن ثُمامة بن كثير بن حبيب بن
الحارث بن عبد الحارث بن عثمان بن الحارث بن ذُهل بن الذُّؤل بن حنيفة.
قال ابن إسحاق: وكان من شأنه: أنه تنبأ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر،
وكان يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويزعم: أنَّه شريك
معه في نبوَّته. وقال سعيد بن المسيِّب: إنه كان قد تسمَّى بالرحمن قبل أن يولد
عبد الله بن عبد المطلب - أبو النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأنَّه قُتل وهو ابن خمسين ومائة
سنة. قال سعيد بن جبير: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالت قريش: إنما يعني: مسيلمة. قال ابن إسحاق: وإنَّه تسارع
إليه بنو حنيفة، وإنَه بعث برجلين من قومه بكتاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من